للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والأرض، ولا قطميراً ولا نقيراً. . . وهو (القدوس): لأنه الكمال المطلق والوجود الكامل المنزه، الذي يجده العقل وراء ما يراه في الكون من نقص؛ وهو (السلام): لأنه لم يجعل العالم جحيما ودماراً والاماص وقلقلة واضطراباً وصداماً لا يسمح باستقرار الحياة، ولا باستقرار نظام الأجرام السماوية والأوضاع الأرضية، وهو أمان الخائف اللائذ الهارب من الشرور والقبح والآثام. وهو (المؤمن): لأنه مُصِرُ ثابت على اتجاهه بالكون إلى غايات واحدة أزلية هو أعلم بها، لم يجعل الشر خيراً، ولا الخير شراً، ولم يقلب موازينهما، فالحياة والجمال والخير والرحمة والعلم من حقائق الكون العليا الخالدة، وسننه التي لن تجد لها تبديلا ولا تحويلا، فالله مؤمن بها؛ وهو (المنعم): لأن ما فاض منه على الكون من بدئه للآن من فيوض النعم المتوالية والجمال والخير شيء عظيم! وهو (شهيد حفيظ): لأنه مع كل صغيرة وكبيرة في الكون لا يضل ولا ينسى؛ وهو (جبار قهار): لأنه يسوق الكون الأعظم الهائل بعصاه، ويمسكه في قبضته؛ وهو (حليم ستار غفور): لأنه يتيح الفرص للخارجين على الحق والصلاح أن يرجعوا، ويمهل ويملي ويعفو عن كثير من نقائص الطبع البشري. . . إلى آخر الصفات الحسنى التي ينتزعها الفكر من الكون، ويترجمها بألفاظ تكون نتيجة لذلك التفاعل الخفي بين الطبع البشري مع جمال الكون العبقري وجلال طلعته الأخاذة! فهل ترى القرآن أتى بشيء عن الله خارج عن حدود الطبيعة لم يثبته العقل؟

إن الفكر البشري فرض (الأثير)، وحدده بآثاره وأثبته بخواصه، مع أنه لا يُرى ولا يحد وسلم له العلم بإثبات هذه الصفات، وكذلك يفعل الفكر في إثبات صفات بارئ الكون، كما تتجلى في الطبيعة، فينبغي أن يسلم له العلم بذلك، بدون حاجة إلى إدراك كنه ذات الله، ولا كيف تتعلق صفاته بها. .

ذلك أمر بمكان عظيم من الاعتبار، ينبغي أن يعلمه المسلمون غاية العلم، ويقوموا له بحقه من إذاعة به، حتى يعلم العقليون والعلماء - وهم قادة الإنسانية في الأمم الحية - أن القرآن كتابهم، وطريقته في الاهتداء إلى الله علمية في موضوعها وفي نتائجها وفي غايتها، فلا يسلكوه مع غيره، ولا يأخذوا عقائده مغمصين، لأنه هو ينهى عن ذلك: (ولا تقف ما ليس لك به علم، إن السمع والبصر والفؤاد، كل أولئك كان عنه مسئولا)؛ (والذين إذا ذكروا

<<  <  ج:
ص:  >  >>