للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

واضح أنه كان يعني أنه يفضل الشعراء المتهدلي الشعر على الخبراء المتحذلقين الوقورين المتأنقي الهندام. وهذا الاحتجاج - كما كان منتظرا - قد عبر عنه تعبيرا بالغ القسوة في بعض القصائد التي كتبت بعد أن كشفت هذه الحرب القناع عن فظائع العالم الحاضر بكامل بشاعتها. فأليك قصيدة داي لويس المسماة (تقرير):

(الآن في مواجهة التدمير، في مواجهة المرأة مزقت إربا فلم يعد يستبان لها هيئة، مزقها الزجاج المتطاير، والطائرة المقاتلة تدور كأنما أصابها الدوخة والدوار.

حول محور الطيار المسجون فيها والجماهير المحتشدة تصفق، والمجاعة تنشب مخالبها منذرة بالموت، وإعلانات الألم القتال تلطخ عناوين الصحف ولوحات الحيطان، في مواجهة الوليد مات حرقا وقارب السفينة المحطمة تتلاطمه الأمواج الشامخة.

بينما تتخبط المجاديف بضعف كالخنفساء المقلوبة على ظهرها، الآن، أكثر من أي زمان مضى، حين يبدو الإنسان وكأنه ولد ليؤذي وكأن العالم المتلوي ألما جميعه لا يتسع لرغبته الشريرة، الآن حان لنا أن نقرر أن الناس هم الحب، نقرر ذلك في وجههم).

حقا إنه لا يجرؤ أحد أن ينكر أن هذا الشيء الوحشي الذي يحتج ضده الشعراء له علاقة ما بالعلم. ولكن من المؤكد أنه ليس المعنى الحق لكلمة (العلم). بل هو نوع من العلم الكاذب. هو موقف عقلي قبل بضعة من الافتراضات العلمية الأولى وسلم بها كأنها مبادئ يمكن استنباط الوجود بأجمعه منها ولذلك كان يسارع برفض كل ما تراءى تطبيقه مستحيلا على معياره الجاهز. ولكن هذا العمل هو أشد شيء بعدا عن العلم. فالعلم ليس طاقما من العقائد. حقا إن للعلم في كل زمن عددا معينا من الافتراضات يستطيع بها تفسير ما يحدث في العلم. ولكن إذا شرع رجل العلم يظن أن نظرياته تستطيع تفسير كل شيء، كان لزاما عليه أن يعلن إفلاسه العلمي، إذا لم يعد يبقى له شيء يقوم به. أما إذا أراد أن يستمر في الميدان العالمي فإنه يجب عليه أن يكون على استعداد للتسليم بأن هناك ظواهر لم يبلغها بحثه بعد، ومشاكل ليس يستطيع حلها بعد. لم يكن رجل العلم، بل كان (المنفذ المخبول المحلوق الشعر) الذي وصفه أودن، هو الذي قرأ نتفا من العلم البدائي، ثم حسب أنه قد ظفر بجميع الإجابات على جميع الأسئلة. فهو قرأ عن استكشاف داروين لحقيقة تطور الحيوان بواسطة الانتخاب الطبيعي والكفاح على المعيشة، ثم اتخذ هذا عذرا يبرر به أشد المنافسات حدة في

<<  <  ج:
ص:  >  >>