للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

صدوره عنه.

٣ - تمحيص رواية ابن عبد ربه

يذكر ابن عبد ربه أن حماداً كان يقول: ما من شاعر إلا قد حققت في شعره أبياتاً فجازت عنه إلا الأعشى أعشى بكر فإني لم أزد في شعره قط غير بيت وهو:

وأنكرتني وما كان الذي نكرت ... من الحوادث إلا الشيب والصلعا

وأقول: هذه رواية لم ترد إلا في كتاب ابن عبد ربه؛ وما كان أجدرها، إن كانت صحيحة، أن ترد في غيره من الكتب، ولا سيما كتب المشارق. ثم أقول: وهناك رواية أخرى تقول إن أبا عمرو بن العلاء هو الذي وضع ذلك البيت على الأعشى، وإن شهد على نفسه بذلك. فهنا إذن روايتان، تعارض كل منهما الأخرى.

فقد محصنا إذن تلك الأقوال والأخبار التي توردها كتب القدماء في صدد انتحال حماد، وانتهينا إلى أنها تقوم دليلا على أن حماداً كان بالغ الانتحال وكنا قدمنا لهذا التمحيص بأدلة عقلية ونقلية توحي بأن حماداً لم يكن بالغ الانتحال كذلك. وهكذا يكون قد استقام لنا التدليل على رأينا في انتحال حماد، من أنه لم يبلغ ذلك المدى الذي تصفه لنا كتب القدماء؛ ومن أن ما صح منه كان صدى لحال الرواية في عصر حماد واستجابة لنوازعها، فإن حماداً لم يكن مشغوفاً بالانتحال عاكفاً عليه جاعلا له همه وقصده.

٦ - ما سر التحامل على حماد:

قدمنا في صدد الكلام عن حياة حماد أنه كان ماجناً فاسقاً مستهتراً. ونقول هنا إن هذا بعض ما دعا القدماء إلى الشك في روايته، وإلى اتهامه بالانتحال. يقول السيوطي في المزهر (ج ١ص١٩): (ويؤخذ من هذا أن العربي الذي يحتج بقوله لا يشترط فيه العدالة، بخلاف راوي الأشعار واللغات). ومعنى هذا أن راوي الأشعار واللغات يجب أن يكون عدلاً، وإلا رفضت روايته. وحماد لم يكن عدلاً، لأنه كان ماجناً فاسقاً مستهتراً.

وأما تحامل المعاصرين له عليه، وطعنهم في روايته، فهما مظهر من مظاهر الحسد والغيرة. فقد كان كثير الرواية، بل كان أحفظ الجميع، وكان لا يسأل عن شيء إلا عرفه. فلم يجد معاصروه مطعنا في روايته من نقص وقصور، ولم يمكنهم اتهامه بقلة الرواية؛

<<  <  ج:
ص:  >  >>