للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فيها، قيمتها في الثرثرة عنها، وهي على وجه التمثيل كالبخور الذي يطلقه المشعوذ، أما تنفيذ المبادئ والعمل للمثل العليا، أو العمل على الأقل، في حيز غير عنها، فليس في وسع الرجل أو الشعب الذي قضى عليه بأن يكون محكوماً، ولا راد لقضاء القوة عليه؟!!

ولبيان ذلك أقول: ألفنا نحن الطلاب العرب، أيام كنا نطلب العلم في الأستانة، جمعية اتخذنا لها القانون الذي قننه لنا أصحاب المثل العليا في الوطنية والقومية، وأقسمنا بالله وبالشرف والوطن على تنفيذه بسلاحنا ودمائنا.

ساقتنا الدولة العلية التي كنا نعمل للخلاص منها، والإعتاق من عبوديتها، إلى محاربة دولة غربية كنا نؤمن آنذاك أن لا سبيل لنيل استقلالنا الوطني، وتحقيق آمالنا القومية العربية، إلا بمساعدتها إيانا.

وقفت ورفاقي نتحسس المبادئ المدفونة في صدورنا، وإذا الأوامر العليا تستحثنا على التقدم والقتال، وشعرنا بأن قوة جارفة من حديد ونار تجرفنا من الوراء إلى الأمام.

حاربنا، أجل لقد حاربنا من قال زعماؤنا عنهم إنهم عدتنا للاستقلال، وقاتلنا قتال المجاهدين في صفوف من قالوا لنا إنهم أعداء استقلال وطننا وقوميتنا!!!

لقد أنستنا الحرب إنسانيتنا وردتنا إلى أصولنا المتوحشة. كنت في بداية الحرب، وقد خفت ميدان القتال، لا تفارقني الأشباح المرعبة، والخيالات المزعجة لشخوص من كنت أراهم يسقطون بضربة سيف، أو بطلقة مسدس أطلقها من دون وعي، وما عتَّمت أن تأكسدت مشاعري فصرت كالجزار ينحر الكبش وهو يكبّر.

صدرت إلينا الأوامر من القيادة بأن نحتفظ بمواقفنا مهما كلفنا الأمر، وبأن نعمل على التقدم مهما باهظ الثمن. كانت المدافع تدوي، والقذائف تحفر فجوات في الفضاء فتكظم بزخمها نفس من يدنو من طريقها العريض، وبرغم ذلك كنا كالمناجذ نتقدم فنحفر حفرة تتحول في وقت قصير إلى خندق يقينا ويلات المدافع الرشاشة.

لم نكن نحفل بمن يستشهد منا، أو يجرح فيتلوى كالطفل الممغوص، بل كان همنا أن نتقدم وأن نقي أنفسنا، ونحتفظ بمراكزنا، كأن في ذلك منجاة لنا من موت يحوم فوقنا.

يا لله يا أصدقائي من نزعة حب البقاء كيف تدفع إلى الموت حباً للحياة، كان الوجود بأكمله في ناحية، وكنت أنا وحدي في الناحية الأخرى، فلو فني الوجود بمن عليه وبقيت أنا

<<  <  ج:
ص:  >  >>