للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

المطاف - رغم ما أصيبت به من نكبات - إلى أن تعلن مطالبة الأمة المراكشية باستقلالها في ١١ يناير من سنة ١٩٤٤.

هذا هو جهاد مراكش الذي يعد صراعاً بين الموت والحياة، وهو إن دلنا على شيء، فإنما يدلنا على أن هذه الأمة الكريمة لن تموت، لأن عناصر الحياة كلها تتدفق في دمها، وهي كفيلة بأن تحفظ هذه الأمة من الانهيار.

وأول عنصر من عناصر الحياة في مراكش هو تأريخها الطويل في الاستقلال والحرية، وقد تسللت حلقات هذا التاريخ منذ عرفت الحياة على الأرض المراكشية، فلم يحكم مراكش غير أبنائها الذين دافعوا عن أرضهم طوال عصور التاريخ إلى أن تآمرت عليهم الدول الأوربية في أوائل القرن العشرين، وكان نتيجة لذلك الاتفاق الإنجليزي المصري سنة ١٩٠٤ الذي بمقتضاه أطلقت إنجلترا يد فرنسا في مراكش، كما أطلقت فرنسا يد إنجلترا في مصر. وقد أتاحت هذه المؤامرة الفرنسية الإنجليزية لفرنسا أن تفرض حمايتها بالقوة على مراكش، فخرت هذه الأمة صريعة أمام قوة الفرنسيين وغدرهم وخيانتهم. وبذلك وضع حد لتاريخ الاستقلال في مراكش.

والعنصر الثاني من عناصر الحيوية المراكشية هو العنصر الخلقي، فقد ورث هذا الشعب عن أجداده البربر والعرب الأنفة والكبرياء والدفاع عن النفس والصبر والتضحية والاستهانة بالحياة في سبيل كرامته؛ وتلك الصفات - ولا شك - تجعل هذا الشعب من أكثر الشعوب استعداداً للدفاع عن أرضه ونفسه، بل تجعله من أكثر الشعوب شعوراً بالكرامة وتمسكاً بالاستقلال. وقد أدرك هذا أولئك الذين وضعوا أسس الحماية الفرنسية - وفي مقدمتهم المرشال ليوطي - فحذروا فرنسا من الاستهانة بهذا العنصر الحيوي في مراكش.

والعنصر الثالث هو الدين، فالمراكشيون من أشد الأمم تمسكاً بالدين الإسلامي، وهم يدركون إلى حد كبير معنى التدخل الأجنبي في الشؤون المراكشية، ويفسره ابن الشعب في مراكش بأنه تدخل ينافي عقيدته ودينه، وهو من أجل ذلك يعمل على أن يكون صحيح الإيمان سليم العقيدة. وذلك ولا شك عنصر من عناصر الحيوية في مراكش.

وعنصر آخر لا يقل عن العناصر السابقة قيمة، وهو عنصر اللغة. فمراكش تستعمل لغة

<<  <  ج:
ص:  >  >>