للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أتعرف على أسلوبه وطريقته في سرد الحوادث وشرح المعارك التي خاضتها فرنسا؛ ولا تنس أن فيجان عضو في الأكاديمية الفرنسية، فهو قائد وكاتب وأديب.

ولقد أفادني ذلك كثيراً: أولاً لأني من ثنايا كتابته تعرفت على الجنرال، ومن تقليب صفحات كتابه الأخير فهمت ميوله السياسية، ولذلك شعرت بهدوء وثبات، وكأني أعرف الجنرال معرفة أكيدة قديمة لما توجهت إلى مركز القيادة، واستقبلني ياوره وصعد بي إلى الطابق الثاني، وأدخلني إلى حجرة تطل على ناحية المدينة بعكس الجنرال اسبيرز الذي حينما احتل المكان كانت حجرته دائماً تطل على البحر، ولما استأذن لي من الجنرال أدخلني إلى غرفة متسمة، أول شيء لفت أنظاري هو أن حيطانها قد غطيت بالخرائط المفصلة: لأفريقية الشمالية إلى حدود مصر، وأخرى لسوريا ولبنان مع الجزء الجنوبي لتركيا، وفي مقابل المكتب خريطة كبرى لأوروبا الوسطى تظهر فيها بوضوح تام أراضي المجر والنمسا وتشيكوسلوفاكيا، والجزء البلقاني الذي يبدأ من مقدونيا، وفيه أراضي بلغاريا ويوجوسلافيا، وقد ظهرت على التضاريس الأرضية وطرق المواصلات بمختلف الألوان. وقد أكثرت من ذكر الخرائط لأن الجنرال يحتاج دائماً إليها للتعبير عن أراءه إذا اتصلت بالناحية العسكرية، وتتجه أنظاره باستمرار إليها في حديثه، وأحياناً يشير بأصابعه إليها.

وكان أثاث الحجرة بسيطاً للغاية، لدرجة إنه لا يرضى به موظف بسيط لإحدى المصالح إذا أعطى بعض ما يشبه الرئاسة في بلاد مصر. وكان المكتب على شمال الداخل، فما فتح الباب حتى خف الجنرال من أمام مكتبه مرحباً بي، ولازمني حتى على مقعد أمامه، وعاد هو إلى مكتبه، معتذراً بأن حالة الحرب لا تمكنه من الحصول على أثاث لائق.

وبعد تبادل العبارات المألوفة بدأ حديثه: بأنه ليس غريباً عن مصر، إذ هو عضو بمجلس إدارة شركة قنال السويس، ومن أتاحت له هذه العضوية رؤية بلادنا، ثم هو مدعو قريباً لزيارتها بناء على طلب مجلس الحرب الأعلى للحلفاء لتقديم تقرير واف عن الحالة العسكرية وما يتطلبه الموقف الحربي إذا دخلت إيطاليا الحرب وقررت مهاجمة مصر.

أفادتني معلوماتي التي حصلت عليها بمطالعة ليلتين، والتي أشرت إليها في إلقاء بعض الجمل والتعليقات التي جعلته يطمئن يحدثه لبعض الأمور، فاعتدل في مجلسه وأخذ يتحدث ببعض الإسهاب عن القوات التي تجمعت تحت قيادته في بلاد الشرق فقال: إن فرنسا لم

<<  <  ج:
ص:  >  >>