للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أرعشتني الخمر من إدمانها ... ولقد أُرِعشْتُ من ير كبر

والعجب أن المعري كان لا يخشى من مصائب الدهر إلا أن تسلمه الشيخوخة إلى الذهول والنسيان وتفضى به إلى الهتر والخبال، فقال في لزومياته:

وما أتوقى والخطوب كثيرة ... يد الدهر إلا أن يَحُل بي الُهْترُ

والهتر - وقاكم الله ووقانا شره - هو ذهاب العقل من كبر، أو حزن. ولقد ظل شيخنا محتفظا ًبيقظة ذهنه ورجاحة عقله حتى لحن ذات يوم، فتننبأله بعض خاصته يدنو أجله، وصح ظنه فمات بعد أيام قلائل.

أما النسيان فيعلله المعري في رسالته الغفران أبرع تعليل في حوار ابن القارح والجنى أبي هدرش. يقول ابن القارح: (أيها الشيخ، لقد بقي عليك حفظك) فيقول الجني: (لسنا مثلكم يا بني آدم يغلب علينا النسيان والرطوبة، لأنكم خلقتم من حما مسنون، وخلقنا من مارج من نار).

١٣ - طول الأمد

وإذا علل أحد الشعراء نسيانه بفرط الحب، فقال:

(وحبك قد أنساني الشي في يدي ... وأذهلني عن كل أمر أحاله)

فإن المعري يرى أن طول الأمد كفيل بنسيان كل شئ، فيقول في لزومياته:

(كل ذكر من بعده نسيان ... وتمر الدهور والأزمانُ

ويقول:

سيُنْسىَ كل ما الأقوام فيه ... ويختلط الشآمي باليماني

ويقول:

وسوف ننسى فنمسى عند عارفنا ... ومالنا في أقاصي الوهم أشباحُ

ويقول:

سيسأل ناس ما قريش ومكة ... كما قال ناس ما جديس وما طسم

أرى الدهر يفنى انفسا بفنائه ... ويمضي فما ببقى الحديث ولا الرسمُ

١٤ - الهول والفزع

<<  <  ج:
ص:  >  >>