للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إن الخطورة ليست في ذات الفكرة، وإنما هي في تلك الهالة التي تحيط بها وهي ليست منها في شيء. ولا حق لنا في حرية الرأي تجاه ذات الفكرة إن لم نهتك دونها الحجاب ونخرجها من الإطار الذي وضعت فيه. عند ذاك فقط يصح لنا أن نتمتع بحرية الرأي ونقول: هذا خطأ وهذا صواب.

وقد يقوم بيننا وبين حقيقة الشيء حجاب هو من صنعنا ومن وضعنا، فيخرج الشيء عن حقيقته ويظهر لنا بغير مظهره فنشط بالحكم ونجور فيه، على غير إرادة وعن غير شعور.

لقد قامت خصومات كثيرة على المناهج والمبادئ، ولكنها كلها لم تنته بالنصر لأحد الفريقين المتخاصمين وبالتسليم على الفريق الآخر وإنما بقيت الخصومة قائمة بينهما تهدأ تارة وتثور أخرى. كذلك الخصومات التي قامت وتقوم بين بعض المعاصرين على غير فكرة واحدة وفي أكثر من ميدان واحد، فأنها لم تنته إلى نقطة اتصال وتفاهم، وإنما زادت كل مخاصم تعصباً لفكرته ومقتاً لآراء الآخرين، ولم ينقطع البحث إلا على القطيعة. وما كان هذا الحوار في التلقي والإلقاء في ميدان البحث والمناظرة إلا وليد تلك الأحياء التي تعيش في أحشاء العقل الباطن، وهي من غور قاعه، ومن وراء قناعه تملي إرادتها على الشعور، فتعمل ولا تُسأل.

لتكن لنا نية الخلوص إلى الحقيقة فيما نلقيه وفيما نتلقاه. ولنرفع النقاب عن تلك الرغائب العاملة فيما وراء الوعي فنحسن بها الانتفاع هنا ونتجرد منها هناك ونتخذ منا علينا حافظاً ورقيباً

ونحن إذ انسللنا في ميدان البحث عما سوى المبحوث، أعطينا الفرصة لأنفسنا وللآخرين في تحري مواضع الحق والصدق واختصرنا الزمن لتطور الأذهان وتتابع الحقائق، فدنّا بما يدين به العقل السليم ولم يقل بعضنا لبعض: لكم دينكم ولي دين. وعرفنا من بيننا من الزعيم ولم نقل: منا أمير ومنكم أمير.

تلك هي خطورة التجرد من هوى النفس عند التعرض للآراء بالتأييد أو التفنيد. وتعظم هذه الخطورة عندما تحكم في الموضوع كلمة ولي الأمر ومن يستمد منه القضاء.

ونعود فنقول إن وراء الشعور منطقة نفوذ أخرى غير ذات شعور، تصنع فيها الألوان فتصطبغ بها الأفكار والآراء. وتصدر عنها الأوامر فتتكيف بها الأقوال والأعمال. ويخرج

<<  <  ج:
ص:  >  >>