للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تعبير إلهي تتخذه الحقيقة الكاملة لتنطق به كلمتها التي تسمى الشريعة، والحكيم وجه آخر من التعبير، تتخذه تلك الحقيقة لتلق منه الكلمة التي تسمى الفن.

وقد كان في القديم امتحان مثل هذا، لم ينجح فيه إلا واحد فقط من آلاف كثيرة؛ وكان الممتحن هو الله جل جلاله؛ والموضوع حديث النملة مع النمل؛ والناجح سليمان عليه السلام (قالت نملةٌ: يا أيها النمل، ادخلوا مساكنكم، لا يَحْطِمَنَّكُمْ سليمانُ وجنودهُ وهم لا يشعرون. فتبسم ضاحكاً من قولها).

إن الكون كله مستقر بمعانيه الرمزية في النفس الكاملة؛ إذ كانت الروح في ذاتها نورا، وكان سر كل شيء هو من النور والشعاع يجري في الشعاع كما يجري الماء في الماء، وفي امتزاج الأشعة من النفس والمادة تجاوب روحاني هو بذاتهتعبير في البصيرة وإدراك في الذهن، وهو أساس الفن على اختلاف أنواعه: في الكلمة والصورة، والمثال والنغمة؛ أي الكتابة والشعر والتصوير والحفر والموسيقى.

ومن ذلك لا يكون البيان العالي أتم إشراقاً إلا بتمام النفس البليغةفي فضيلتها أو رذيلتها على السواء؛ فان من عجائبالسخرية بهذا الإنسان أن يكون تمام الرذيلة في أثره على العمل الفني - هو الوجه الآخر لتمام الفضيلة في أثره على هذا العمل؛ والنقطة التي ينتهي فيها العلو من محيط الدائرة هي بعينها التي يبدأ منها الانحدار إلى السفل؛ ومن ثم كانت الفنون لا تعتبر بالأخلاق، حتى قال علماؤنا: إن الدين عن الشعر بمعزل. فالأصل هناك سمو التعبير وجماله، وبلاغة الأداء وروعتها؛ ولا يكون السؤال الفني ما هي قيمة هذه النفس، ' ولكن ما طريقتها الفنية؟ وأي عجيب في ذلك؟ أليس لجهنم حق في كبار أهل الفن، كما للجنة حق في نوابغه؛ وإذا قالت الجنة: هذه فضائلي البليغة؛ أفلا تقول الجحيم وهذه بلاغة رذائلي. وكيف لعمري يستطيع إبليس أن يودي عملهالفني. . ويصور بلاغته العالية إلا في ساقطين من أهل الفكر الجميل، وساقطات من أهل الجسم الجميل؟. .

لقد بعدنا عن القطين، وأنا أريد أن أكتب من حديثهما وخبرهما.

كان القط الهزيل مرابطاًفي زقاق، وقد طارد فارة فانحجرت في شق، فوقف المسكين يتربص بها أن تخرج، ويؤامر نفسه كيف يعالجها فيبتزّها، وما عقل الحيوان إلا من حرفة عيشه لا من غيرها. وكان القط السمين قد خرج من دار أصحابه يريد أن يفرّج عن

<<  <  ج:
ص:  >  >>