للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يحن وقت الجواب. . .) وهكذا تكر هذه اللحظة، وتعود المومياء إلى رقادها الأبدي.

وهنالك مقطوعة صغيرة تدور حول رجل (ايزلاندي) فرّ في الأرض على وجهه من الطبيعة، ولكنه تلاقى معها في وسط الصحراء، فألح عليها بأسئلة كثيرة منها هذا التأنيب:

(لماذا قذفتِ بي في هذا العالم دون استشارتي، ولماذا بعد إيجادك لي لم تشغلي نفسك فيَّ؟ فما هي غايتك؟ وما عسى تبتغين؟ وماذا تريدين؟ هل أنت لئيمة أم عاجزة؟)

فأجابته الطبيعة: بأن ليس لها إلا سأم واحد وواجب واحد أن , تُدير دولاب العالم دورة واحدة يناجي فيها الموت الحياة، والحياة الموت. وإذ ذاك سألها الرجل (ومن عسى يبتهج بحياة هذا العالم الذي لا يبقى ولا يدوم إلا بموت كل الأجزاء التي تولف عناصره؟ ولكن الطبيعة لم تجشم نفسها عناء الجواب. . . وإذ ذاك انقض أسدان جائعان عليه فالتهماه فهوى هيكله على التراب منتظراً أن يسقط كلاهما بدورهما على رمال الصحراء.

السكوت هو الجواب البليغ على هذه الأحاجي والأسرار، لأن المستقصي عنها لن يرى إلا جداراً يعثر به ويدفعه إلى الوراء، وإذا سار فلن يسير إلا في صحراء لا يجد منها مخرجاً.

لم يختر ليوباردي شيئاً من حياة المستقبل ولا الحاضر، ولم ينظر إلى مستقبل الإنسانية، ولم يجرب أن يقف هواه على شيء في الحياة، وإذ أراد أن يمجد وطنه فلن يرى شيئاً جديراً بالتمجيد إلا ذلك الماضي، أما الغد فهو لا يؤمن به

(أيها الأسلاف العظماء، ألا تزالون تصونون لديكم شيئاً من الرجاء فينا؟ ألم نهلك نحن جميعاً؟ إنني محطم لا أملك أية قدرة أجابه بها الشقاء، أما المستقبل فهو جهنم في عيني، والذي أتبينه هو الذي يريني الأمل حلماً أو جنوناً)

لهجته - أينما صعدت - مبطنة بالكآبة العميقة التي لا يخفف منها مجد ولا علاء. يُسألُ عن الرجل العظيم فيقول (هو اسم سرعان ما يصبح كاللاشيء. إن فكرة الجميل تتبدل دائما مع الزمن. فالمسائل العلمية سرعان ما يتفوق عليها غيرها وتصبح نسياً منسيا، وإن أدنى رجل رياضي منا يعرف أكثر مما يعرف (غاليلو ونيوتن) فالمجد ما هو إلا خيال، والبراعة التي تكون مكافأة للمجد ليست إلا حاضراً مشؤوماً لمن يتقبلها) ثم يتكلم عن دانتي ويقول. (وعلى هذه الأرض القبيحة لم يؤثر إلا الجحيم، وأي منزل في الحقيقة لا يفضل على منازلنا الأرضية، إن الشقاء الذي يؤلمنا هو أقل ثقلاً وأقل شراً من السأم الذي يخنقنا.

<<  <  ج:
ص:  >  >>