للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

حيناً ثم سافر إلى رومة وزار هنالك ميشيل أنجلو المهندس والفنان الخالد، وكان يومئذ يعني ببناء كنيسة القديس بطرس وزخرفتها، ليفاوضه في بعض المسائل الفنية. ثم عاد إلى فلورنس، بعد أن عاد التفاهم بينه وبين الدوق، واشترى هنالك ضيعة صغيرة بما اجتمع له من المال، واستقر هنالك منكباً على تحفه وتماثيله

وهنا ينتهي ما كتبه بنفونوتو تشلليني عن حياته. وقد كتب تشلليني هذه الصحف بين سنتي ١٥٥٨ و١٥٦٦، ولكنه يقف فيها عند سنة ١٥٦٢. وكانت أوصاب الشيخوخة قد دهمته يومئذ، وذهبت بذلك العزم المضطرم الذي كان يلتهب أبدا؛ وملك تشلليني سحر القلم فكتب في ذلك الحين أيضاً قصته (تراتاتي) يكرر فيها القصة القديمة المعروفة بذلك الاسم. وليس في حياته ما يستحق التدوين يومئذ غير زواجه سنة ١٥٦٥، وهو في الخامسة والستين من خادمته بيرا دي سلفادوري، تزوجها عرفاناً بما قدمته في خدمته أثناء مرضه من الغيرة والإخلاص، ورزق منها بولدين هما أبنه أدريا سيموني، وأبنته مادلينا، وتبنى أيضاً أبناءها من زوجها الأول. وتوفي الفنان الكبير في ١٣ فبراير سنة ١٥٧١، بمنزله في فلورنس، ودفن باحتفال فخم، وخبت تلك الحياة التي لبثت سبعين عاماً تملأ ما حولها حركة ونشاطاً واضطراما.

هذه خلاصة لذلك المجلد الضخم الذي تركه لنا بنفونوتو تشلليني عن حياته الغريبة الحافلة. وإذا كان تشلليني قد عُدّ من أقطاب الفنانين في عصر الأحياء، فانه يرتفع بأثره إلى صف أقطاب كتاب هذا العصر. ولم يكن تشلليني كاتباً كما قدمنا، ولم تهيئه تربيته الساذجة، ولا حياته الشريدة المضطربة لمعالجة الكتابة؛ ولكن البيان هبة الطبيعة؛ وقد كان تشلليني أبن الطبيعة، وهبته كثيراً من خلالها الباهرة؛ فكان القلم في يده يدون به حوادث حياته، كالريشة يرسم بها نماذج تحفه. وليست روعة ترجمة تشلليني في هذا البيان القوي الساذج الساحر فقط، ولكنه أيضاً في تلك الصراحة الخشنة التي يحدثنا بها تشلليني، وفي تلك البساطة الرائعة التي يكشف لنا بها عن دخائل نفسه. ويقول لنا تشلليني في الخطاب الذي يوجهه إلى صديقه بنديتو فارشي بشأن ترجمة أنه لم يكتب إلا ما وعته الذاكرة من حقائق حياته. يقول: (والواقع أنني لم أكتب سوى الصدق، وقد أغضيت عن كثير من الحوادث العجيبة التي كان غيري يعطيها أهمية خاصة. ذلك أن لدي شئوناً عظيمة كثيرة أقصها،

<<  <  ج:
ص:  >  >>