للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والمجتمعات، ثم هو لا يرتاح ولا يستقر حتى يجد من يشاركه هذا السخط والضيق بالعاطفة والشعور سواء أكانت هذه العاطفة جميلة أو غير جميلة. وسواء كان هذا الشعور في جانب صاحب الكتاب أو عليه.

وقد يكتب أحد أساتذة النقد مقالا يتناول فيه كتابا من الكتب بالبحث والتحليل فيستهوى هذا المقال لب قارئ من القراء - وقد يستهوى كثيرين - فيعلن هذا القارئ آراء هذا الناقد في ذلك الكتاب بين أصدقائه وإخوانه وتكون النتيجة أن يتزاحم هؤلاء الأصدقاء على قراءة هذا الكتاب مدفوعين بما سمعوا أو قرأوا عن هذا الكتاب. فيقرأونه وهم تحت تأثير هذا المقال. وأني أسوق إلى القارئ مثالاً على هذا.

كنت منذ أربعة أعوام اكره الشاعر (تنيسون) وأضيق به كلما هممت أن اقرأ شيئا من شعره. كان هذا منذ أربعة أعوام لم اكن قرأت قبلها نقدا أو تحليلا لشعر هذا الشاعر. قضيت على ذلك عامين وأنا اكرهه، بل كنت اقرأ كل من يذكر اسمه أمامي أو يعجب به، حتى كان لي مع الأستاذ (سكيف) أستاذ الدراما وشكسبير بكلية الآداب نقاش شديد حول هذه الكراهية الغربية. فأخذ الأستاذ يبسط لي جمال شعر ذلك الشاعر، ثم كان ان قرأت كتابه الصغير وهو ثلاث محاضرات كتبها مستوعبا بعض قصائده مقدرا فنه. فأخذ رأيي يتغير وأقبلت على قراءة شعر ذلك الشاعر في حب وتقدير عظيمين.

وأني اقف اليوم من الشاعر بروننج ما وقفته بالأمس من الشاعر تنيسون، ولست ادري أوفق إلى أستاذ كذلك الأستاذ أو إلى كتاب كذلك الكتاب يحبب إلى قراءة شعر هذا الشاعر، أو أني سأقبل عليه من نفسي أو أظل على انصرافي عنه بقية أيامي. أعود إلى سؤالي الأول (هل استفاد الأستاذ توفيق الحكيم شيئا من هذه الضجة الكبرى التي آثارها بمؤلفاته الثمينة. أني أرى أن الفائدة الفنية معدومة، ولكني مع ذلك لا أتجاهل فائدة النقاد للقراء وللمؤلف. للقراء كمرشد يأخذهم إلى مواطن الحسن الفني، وينبههم إلى مواضع الضعف ومواطن القبح، وللمؤلف كإعلان عن كتابه وكإشادة بفنه السامي.

ليس في هذا الكلام تعسف ولا مغالاة. وإني أرجو كل من يرى أو يخيل إليه انه يرى أن في هذا إجحافاً بحقوق النقاد إلا يثور ويحنق، بل أرجو منه أن يهدأ ويخلو إلى نفسه يسائلها هل غير الأستاذ توفيق الحكيم شيئا في فنه نزولا على رأي أو تنفيذا لنقد، هل

<<  <  ج:
ص:  >  >>