للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[إلى رجال التعليم:]

التلميذ مرآة أستاذه

للأستاذ علي العماري

ذكرت في عدد سابق من الرسالة الغراء بعض الأسباب التي أدت إلى ضعف المتعلمين في العلوم عامة، وفي اللغة العربية خاصة، وما سلكت غير سبيل الحق، ولا نهجت إلا منهج الصراحة فإني أعلم أن المداورة والمجاملة وغض الطرف عن العيوب كلها أدواء فتاكة، تغطي وجه الحق، وتمكن للداء أن يستشري، وإذا كان هذا سبيلي فإني قائل اليوم قولاً أراه مراً جارحاً، ولكني لا أجد منه بداً، وإني أعلم أنه سيغضب الكثيرين، وسيدع غير قليل من رجال التعليم يزمون شفاههم، ويقطبون أسارير وجوههم، ويهزون أكتافهم، ويقولون: كذب ورب الكعبة، ولكنه - أيها الإخوان - الحق الصراح، والحق مر، والقول الخالص، والناس لا يظمئون إلا إلى الآسن العكر، حين يعذبه النفاق، ويسيغه في الحلوق الثناء الكاذب، والمداهنة البغيضة.

ولست متجنياً، ولا بعيداً عن الصواب حين أقرر أن من أهم أسباب الضعف في مدارسنا ومعاهدنا إسناد مهنة التعليم إلى قوم لا يحبون العلم، ولا يسعون إليه، ومن خطأ الرأي أن يظن أني أقصد جميع الأساتذة والمدرسين، فأنا إنما أشير إلى عدد غير قليل منهم، ومادام المدرس ضحلاً في مادته، تافهاً في معلوماته، ناقصاً في عقله ورأيه، فكيف نطلب من التلميذ أن يكون نابغة في علم، أو عبقرياً في فن، بل كيف نطلب منه أن يقرأ قراءة صحيحة وأستاذه غير مستطيع، وفاقد الشيء لا يعطيه كما يقولون. .

كان المعلمون في الماضي يسهرون الليالي الطوال في إعداد دروسهم، ويرجعون إلى شتى المصادر في مادتهم، ويعملون آراءهم وعقولهم في تفهم ما يلقونه إلى الطلاب، فكان في معاهد التعليم المجد المحصل، والذكي النابغة، ولكننا اليوم نرى مدرسين (على أحدث طراز) لا يعنى أحدهم بدرس، ولا يتعب نفسه في المراجعة، وحسبه أن يدخل على تلاميذه فيلقي إليهم ما سطر في الكتاب المقرر، فإذا سئل أعاد (الأسطوانة)، ونرى آخرين لا يحسنون النطق بالعربية، وإنما أخذوها من أفواه العامة فهي تطغي على ألسنتهم، وتشيع في أساليبهم، ولأن تكلف أحدهم أن يزحزح رضوي عن موضعه أهون عليه من أن تكلفه أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>