للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بالسرعة والتأثير والحرارة.

بقيت الصفة الثالثة وهي توجيه الأثر إلى الذهن لا إلى الحواس، لأن المسرح إذا غلب التأثير في الجسم على التأثير في الفكر كان أقرب إلى الملعب وهو مظهر العجائب البدنية من الحيوان المروض والإنسان الممرن، وكان جزاءه أن يفقد سلطانه ومكانه في قليل من الزمن. وعلة ذلك أن التأثير المادي محدود متشابه، فلا يلبث الناس أن ترى أعينهم مداه وتتعود آذانهم صداه، ويدركوا أن ما قرع أسماعهم أول مرة من أصوات الألم المروعة، وأنات الاحتضار الموجعة، إنما هو صوت واحد متكرر الأثر، ويؤول الأمر بالمشاهدين والمؤلفين حتماً إلى أن يفقدوا التأثر منه والتأثير به لتشابه موضوعاته وتكرر مؤثراته. من أجل ذلك لا ترى على المسرح تفاصيل الحوادث المرعبة كالقتل مثلاً، بل يفرض حدوثها في ظاهره ثم تلقى إلى المشاهد على لسان شخص من أشخاص الرواية. ومسرح الإغريق نموذج المسارح في هذه السبيل. أما المسرح الروماني فقد دعاه غلظ الطبع وجفاء الشعور إلى أن يسمع النظارة أنين مصارعي الثيران وهم في سياق الموت، ويريهم دماء الضحايا وأشلاء القتلى مبعثرة على أرضه، فتأخر الفن الروائي عند الرومان من جراء ذلك كثيراً.

يتبع

(الزيات)

<<  <  ج:
ص:  >  >>