للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[القصص]

رجل. . . وامرأة

بقلم محمد سعيد العريان

- ١ -

جلس شوكت أفندي كاظم في حجرة الانتظار في مدرسة. . . يجيل طرفه في قطع الأثاث المبعثرة، وينقل النظر بين السقف والأرض والحيطان. لم يتغير شيء فيها عما رآه لآخر مرة منذ سنوات أربع؛ هذا النضد الصغير في زاوية الحجرة كأنه قطعة من أرض المكان فلم يتزحزح عن موضعه؛ وهذه الأريكة الكبيرة طالما تمدد عليها ولوى ذراعيه تحت رأسه وسبح في أحلام اليقظان؛ وهذه الصور على الحيطان تطل منها الوجوه الصغيرة، في أساريرها مرح الطفولة، وفي عينيها بريق الأمل - إنها في موضعها حيث صففها بيديه قبل سنين، ولكنها زادت أخرى، لاشك أنها صور الفرق التي أتمت دراستها بالمدرسة منذ نقل منها. . . ودفعه حنين وشوق فنهض يتأمل صور تلاميذه الذين عاش بينهم شطرا من حياته في منزلة الأب الثاني، ثم فارقهم وفارقوه منذ سنين بعيدة فوجاً بعد فوج إلى حيث لا يدري من فجاج الحياة. ما أسرع ما تمر السنون! أيهم الآن يذكره كما يذكرهم؟ لعل منهم صاحب المنصب الرفيع والجاه العريض وهو ما يزال حيث تركوه في منصبه وجاهه!. . . ووقف لدى صورة من عديد الصور المعلقة، ولم ينتقل عنها ولم يخفض بصره؛ لقد طافت برأسه ذكريات من الماضي، ذكريات حية ما يزال قلبه بدمها ينزف. وحدق في الصورة طويلاً تحديق العانس في المرآة تنعى الشباب وتتهم الزمن. . . منذ ثمان سنوات حين دعي ليجلس بين تلاميذه في هذه الصورة كان شخصاً آخر غير الشخص الذي يعيش اليوم، لقد كان يومئذ يعيش في واد من الأحلام: أحلام الشباب والمرأة والحب. أين هو اليوم مما كان؟ أما الشباب فقد أنهكته أحداث الزمن، وأما الحب فقد دفنه هناك ولفه في أكفان اليأس، وأما هي. . .

ودخل الضابط يحيه بصوت غليظ، في يده عصا ومن وراءه غلام. وأندفع عادل شوكت إلى أبيه حين رآه باسطاً ذراعيه، فلم يخشى عصا الضابط ولا صوته البغيض؛ وضم

<<  <  ج:
ص:  >  >>