للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فيها قريب العلاقة محدود الفكر، لا يخرج في معظم الأحوال عن دائرة الجماعة أو الأسرة. والمآرب والأخلاق، والعادات والأهواء، في هذه الدائرة معروفة مألوفة، توضحها كلمة وينبئ عنها منظر. ومع ذلك فلبعض الملاهي عروض بلغت حد الإعجاز من الفن كعرض ترتوف، والمريض المتوهم، والنساء العوالم لموليير.

والتعقيد هو الجزء الذي تشتبك فيه الظروف والوقائع والمنافع والمنازع والأخلاق في اعتراضها طريق البطل، فينشأ عن اشتباكها الشك والتطلع والقلق وفروغ الصبر وبذلك تقوى الجاذبية. وأفضل التعقيدات وأجدرها بالفن ما نشأت فيه العوائق من أخلاق الأشخاص وأهوائهم، لا مما يصدر عن غير طبيعتهم ولا إرادتهم، كالأخطاء القهرية، والحوادث الخارجية. ولا بد أن يسر التعقيد على سنن الطبيعة حتى يسهل على المشاهد أن يتصور وقوع الحوادث كما يراها. ولحوادث الطبيعة كما تعلم نتيجة وعلاقة وتسلسل، فينبغي إذن أن يكون التعقيد سلسلة من الحوادث بينها من التواصل والتفرع ما بين الحلق.

لم يكن للتعقيد في المآسي القديمة ماله اليوم من شأن وخطر. فقد قسم أرسططاليس الموضوع تقسيماً كمياً إلى أربعة أقسام. وهي المقدمة والوقائع والنتيجة والخورس. (والقسم الأخير قد حذف اليوم)، ثم تكلم عن التعقيد دون أن يُعنى به، وقسم الموضوع إلى بسيط وهو ما كان العمل فيه مستمراً متحداً ينتهي من غير انقلاب ولا تعرف، ومركب أو معقد وهو ما اشتمل على هذين الموقفين أحدهما أو كليهما. فالقاعدة التي وضعها أرسططاليس للنوعين جميعاً هي أن تستمر سلسلة الحوادث متصلة، وألا يكون تسلسلها تعاقبياً، بل يتوالد بعضها من بعض على غير ما يترقب المشاهد حتى تنتهي إلى الحل. والحق أن أرسططاليس لم يكن محتاجاً إلى غير هذا مادام كل ما يبغيه هو حادثاً يبعث في القلوب الرعب والرحمة. فهو لا يشغل باله إلا بالحل، أما التأثير الداخلي للموضوع فذلك مالا يحفل به كثيراً. فأنت ترى أن المسرح الإغريقي كان يعتبر الموضوع الذي يتمخض عن الفاجعة الأليمة المحزنة بسيطاً. وما كانت تلك البساطة في الواقع إلا فراغاً في عمل عقيم بطبعه، وكيف يكون في مثل هذا الموضوع الساذج محل لتناقض الأخلاق وتصادم الأهواء، وأسباب حوادثه خارجة عن إرادة الأشخاص أو سابقة للعمل الروائي نفسه؟ ففي رواية أوديب الملك ماذا ترى؟ ترى كل شيء قد وقع قبل ابتداء العمل. (فلبُّوس) قد قتل،

<<  <  ج:
ص:  >  >>