للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قبل اليوم يدفعه إلى العودة.

إلى أين؟ إلى منزل أقاربك. ولكن لماذا؟ لقد شفيت ولم تعد لي بالعودة حاجة، وأنا لم أقض بعيداً عنهم يوماً كاملاً؟ لقد كانت هناك حاجة قوية تدفعه، وشعور جبار يغريه.

نام ليلته الأولى بعد تفكير طويل لم يكد يتبينها واضحة جلية، فإذا هو يقطع الليل في أحلام متقطعة رأى فيها أشباحاً بيضاء رقيقة تدور حوله، فلما حاول أن يتعرفها لم تتمثل له غير (زينب).

زينب العذراء الحلوة الفاتنة، زينب الجميلة الساحرة، هذه عيونها تلمع بفتنة الحياة، وهذا قوامها البديع، وهذه يدها الرقيقة تمتد إليه في دلال ولين، وهذا صوتها العذب يتدافع إلى أذنيه حلواً سائغاً.

هب من نومه مع الصباح الباكر فألفى السماء ساكنة صافية وهذه الأشجار لا تزال تلمع بقطرات الندى، والقرية ساكنة إلا من أصوات أفراد قلائل يصل إليه وقع أقدامهم وهم في طريقهم إلى المسجد يؤدون فريضة الصباح، غير أنه يشعر بوحشة ويحس بالهم والحاجة. . .

لا بد أن يكتب إلى خاله يشكره على عنايته به في مرضه، فإذا هو يختتم خطابه في حرارة لم يكن يحسها قبل اليوم، وإذا هو يحاول أن يختص زينب بتحية يقنع نفسه أنها ستدركها رغم أنها صادرة للجميع.

لقد أحب أمين.! أمين الجامد الصلب قد تفجر قلبه فإذا اللهب يكاد يحرقه، وإذا العاصفة التي ثارت في أعماقه تكاد تسحقه، فإذا هو يعود إلى منزل أقاربه، وإذا هذه الزيارة تتكرر في الاسبوع الواحد مرات، وإذا هو لا يصمد لهذه الثورة المجتاحة.

لقد نفذت العاطفة الحارة إلى قلبه فألهبته وصهر العطف نفسه فإذا هو يرى في الحياة ألواناً جديدة، هو يهواها ويفني نفسه في سبيلها. لقد لمسته المرأة بالعصا السحرية فانبثق النور في أعماقه، فإذا هو مفتون.

كانت الأيام قد توالت، وكنا على وشك أن نختتم عام ١٩٣٢ فإذا أنا أتسلم منه كتاباً لم يزد فيه على كلمات:

عزيزي محمد:

<<  <  ج:
ص:  >  >>