للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

العلم والكفاية ما يبلغه أمثال صاحب كتاب العمارة الإسلامية، فانه ليس من الحكمة أو العدل أن يتركوا حيث هم؛ وأن تضن عليهم حكومتهم بالعطف والتشجيع؛ وإنما السبيل إلى شحذ هممهم ومواهبهم وإبراز جهودهم في المستوى اللائق، هو أن تشملهم حكومتهم بشيء من ذينك العطف والبذل اللذين تغدقهما على العلماء الأجانب. خذ مثلا مسألة المباحث الأثرية التي كانت إلى ما قبل أعوام فقط وقفاً على العلماء الأجانب. فقد لبث المصريون نحو قرن محرومين من التنقيب عن آثارهم في نفس بلادهم وأرضهم؛ وكانت البعثات الأجنبية والعلماء الأجانب. يستأثرون بهذه المباحث في أرضنا بفكرة أنهم دون غيرهم يستطيعون إجراءها. ومع أن معظم آثارنا الفرعونية قد تسربت إلى الخارج، وغصت بها المتاحف الأجنبية في مختلف أنحاء العالم، فأن حكومتنا لم تكن تضن عليهم بكل صنوف التشجيع المادي والمعنوي. فلما أن قررت الجامعة المصرية إجراء بعض الحفريات على يد بعض أساتذتها من المصريين، ولما بذل للمصريين ما كان يبذل لزملائهم الأجانب من العون والتشجيع، ظهرت كفاية المصريين ناصعة في الكشف عن آثار بلادهم واستقرائها، وظهر خطأ النظرية القديمة الجائرة التي كانت تنكر على المصريين كل كفاية لتقصيهم عما هو من صميم حقوقهم وميادينهم لكي يتسع المجال للأجانب.

لقد ظهرت في العهد الأخير طائفة قيمة من التآليف والمباحث الإسلامية، والآثار الأدبية الرفيعة، ولقيت كثيراً من التقدير بين العلماء الأجانب؛ فماذا كان نصيبها من التشجيع الرسمي في مصر؟ كل ما يطمح إليه المؤلف الذي أنفق كل ذكائه ووقته وماله على إخراج مؤلفه، هو أن تتفضل عليه وزارة المعارف بتقرير كتابه لمكتبات مدارسها وشراء بضع عشرات نسخ منه، وذلك بعد أن تفحصه لجنة فنية تقره وتوصي به، وهذا كل ما يعرفه المؤلفون المصريون من تشجيع وزارة المعارف، ولا يحظى بهذه المؤازرة الضئيلة سوى القليلين منهم. أما أن تشمل وزارة المعارف برعايتها مجهودا علميا أو أدبيا معينا قبل أن يتم إخراجه، وتبذل لصاحبه شيئا من العون المادي على نحو ما فعلت مع الكبتن كرسويل، الذي استطاع بمجرد الطلب أن يحمل ولاة الأمر على بذل هذه الآلاف المؤلفة له قبل أن يتم مؤلفه أو يخرج منه سوى الجزء الأول فقط، - فهذا أمر لم نسمع به قط، ولا نعتقد أنه تقرر بعد بالنسبة للمصريين في تقاليد وزارة المعارف.

<<  <  ج:
ص:  >  >>