للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

مزدوجة، وكان الهدوء والسكينة والاستقرار، وكان ذلك سنة ١٧٣٢.

وهنا فقط يكتشف روسو حقيقة مرة غابت عنه طيلة هذه الأعوام الثلاثة؛ تلك هي علاقة مدام دي فرنس بخادمها وأمينها كلود آنيه؛ فقد عرف روسو فجأة أن الخادم ينعم بحب سيدته؛ وعرف ذلك من مدام دي فرنس ذاتها، ففي ذات يوم ثارت بين السيدة وخادمها مناقشة عاصفة وجهت إليه خلالها بعض الألفاظ الجارحة؛ فهرول كلود آنيه خفية إلى زجاجة من (اللادونوم) فابتلع ما فيها لكي يزهق نفسه، ثم أوى إلى غرفته ينتظر حشرجة الموت؛ ورأت سيدته وخليلته الزجاجة الفارغة فأدركت الأمر، وهرولت صارخة إلى غرفته، ونادت روسو واعترفت له بكل شيء ورجت منه العون؛ فعاونها على إسعافه، ونجا الخادم المحبوب. ودهش روسو لغبائه إذ خفيت عليه هذه الحقيقة من قبل. ولكنه لم يشعر نحو كلود آنيه بشيء من الحقد، برغم أنه يسلبه معبودة قلبه، لأنه يحرص على سعادتها وهنائها. .

ولبث روسو مدى الأعوام التالية إلى جانب مدام دي فرنس، ولم يفارقها إلا في فترات قليلة ولأسباب طارئة. كانت شامبرى موطنه ومستقره، وكانت مدام دي فرنس أمه وأسرته وكل شيء في الوجود بالنسبة إليه. وكانت الحياة عندئذ هادئة منظمة، وقد أخذ روسو يشعر بشيء من الثقة بنفسه وبمستقبله؛ وكان يوزع وقته بين عمله، ودرس الموسيقى، ومدام دي فرنس. وكانت ثمة سعادة أخرى لم يكن يتوقعها روسو، ترفرف عليه في ذلك المقام الرغد، بل كان ثمة حادث لعله أعظم مفاجأة في حياة روسو. ذلك أن علاقته الساذجة الأفلاطونية مع مدام دي فرنس تحولت فجأة إلى علاقة حب عملي. ولذلك التحول قصة غريبة يرويها لنا روسو في عدة صفحات ساحرة مؤثرة. فقد كان روسو يعطي دروساً في الموسيقى لبعض أكابر السيدات في شامبرى، وكانت علائقه النسوية تزداد يوما عن يوم؛ وكان بين أولئك السيدات، سيدة تدعى الكونتة دي منتون كان روسو يعلم ابنتها الغناء؛ وكانت سيدة مضطرمة الأهواء تحب الدسائس الغرامية، وبينها وبين مدام دي فرنس صلة ومنافسات نسوية. فلما اتصلت بجان جاك وقدرت ذكاءه ومقدرته على الكتابة الساخرة ونظم الأناشيد والأغاني، فكرت في استهوائه والانتفاع بمقدرته، واستقبلته بعطف وإكرام، وشعرت مدام دي فرنس بذلك، ففكرت في إنقاذ روسو من شراكها وشراك غيرها من النسوة اللائي

<<  <  ج:
ص:  >  >>