للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والأصل الكريم لفقرها، ومنها ابتغاء الزوجة رجلاً ذا جاه أو ثراء عزوفها عن الفاضل ذي الكفاف أو اليسير على عنىً في رجولته وفضائله، كأنما هو زواج الدينار بالسبيكة، والسبيكة بالدينار، وكأن الطبيعة قد ابتلت هي أيضاً بالسقوط، فأصبحت تعتبر الغني والفقير، فتجعل في دم أولاد الأغنياء روح الذهب واللؤلؤ والماس، وتلقى في دم أولاد الفقراء روح النحاس والخشب والحجارة. . . على حين أن الجميع مستيقنون لا يتدافع اثنان منهم في أن الطبيعة لا تبالي إلا بوراثة الآداب والطباع.

وأعظم أسباب هذا السقوط في رأيي هو ضعف التربية الدينية في الجنسين، وخاصة الشبان، ظناً من الناس أن الدين شأن زائد على الحياة، مع أنه هو لا غيره نظام هذه الحياة وقوامها في كل ما يتصل منها بالنفس. وليست المدنية الصحيحة كما يحسب المفتونون هي نوع المعيشة للحياة ومادتها، بل نوع العقيدة بالحياة ومعانيها. وإلى هذا ترى كل مبادئ الإسلام، فأن هذا الدين القوي الإنساني لا يعبأ بزخارف كهذه التي تتلبس بها المدينة الأوربية القائمة على الاستمتاع وفنون اللذات وانطلاق الحرية بين الجنسين، فهذا بعينه هو التحطيم الإنساني الذي ينتهي بهدم تلك المدينة وخرابها، وإنما يعبأ الإسلام بالعقيدة التي تنظم الحياة تنظيماً صحيحاً متساوقاً وافياً بالمنفعة، قائماً بالفضيلة، بعيداً من الخلط والفوضى.

ويقابل ضعف التربية الدينية مظهراً آخر هو سبب من أكبر أسباب السقوط، وهو ضعف التربية الاجتماعية في المدرسة، وإلى الدعة والراحة، وفرارها من حمل التبعة (المسئولية) التي هي دائماً أساس كل شخصية قائمة في موضعها الاجتماعي. وبذلك الضعف وذلك السقوط وضعت المرأة البغي العاهرة في الموضع الطبيعي للأم، ونزل الرجل السافل المنحط في المكان الطبيعي للأب، وتحللت قوى الوطن بانحراف عنصرية المعظيمين عن طبيعتهما، وجعلت فضيلة الفتيات المسكينات تتآكل من طول ما أهملت، وأخذ سوس الدم يتركها فضائل نخرة ولا عاصم ولا دافع إلا قوة القانون وسطوته، ما دامت الفضيلة في حكم الناس وتصريفهم قد تركت مكانها للقوانين. وما دامت قوة النفس قد أخلت موضعها للقوة التنفيذية. لقد قتلت روحية الزواج، وهي على كل حال جريمة قتل، فمن القاتل يا صاحبنا المحامي؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>