للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وإن كان نظام الحكم ديمقراطياً فالأدب ديمقراطي، والصور التي يصورها ديمقراطية، ويتعمق السيكولوجي في بحثه فيتعمق الروائي في تحليل شخصيات روايته، وهكذا كانت الاختراعات والصناعات والعلوم ونظم الحكم والسياسة والأدب تسير معاً، لا يخطو عنصر منها خطوة إلى الأمام حتى يدرك الآخر سر تقدمه فيعمل على أن يحتذيه. أما الأدب العربي فيحارب متراليوزا بقوس وسهم، ويضيء في أدبه سرا جابزيت، والناس اليوم قادمون على أن يغيروا المصباح الكهربائي بخير منه، ويبكى الأطلال ولا أطلال، ويحن إلى سلع ولا سلع، ويستطيب الخزامي والعرار ولا خزامي لدينا ولا عرار. من الحق أن نحب القديم الجميل ونحفظه ونتعلم منه ونعجب بما فيه من مظهر عاطفة حية وشعور قوي، ولكن لا ننشئه. وإذا قلناه وجب أن نقول معه ما نحياه ونعيش فيه

إذا أنت لم تحم القديم بحادث ... من المجد لم ينفعك ما كان من قبل

وقفت العبارة العربية حيث كانت في العصر العباسي، ولم تتقدم إلا قليلا بما اقتبس من الأدب الغربي، والذي نتطلبه من التجديد فيها أن نستمد من حياتنا الواقعية، ومن كل ما يحيط بنا جملا حية تلائم ما في نفوسنا، وأن نخترع عبارات من المجازات والاستعارات والتشبيهات والكنايات نستمدها من الحياة التي نعيشها، وما وصلت إليه علوم النفس والاجتماع والسياسة والاقتصاد.

وقد عاق الأدب العربي الحديث عن الوصول إلى هذه الغاية عوائق كثيرة أهمها:

(١) ما سبقت الإشارة إليه من أن المخترعات ليس لها أسماء، وأن أئمة اللغة لم يرضوا أن يستعملوا الكلمات الأجنبية ولا وضعوا لها أسماء عربية، وتركوا الأدباء في حيرة من أمرهم، فكيف يستطيعون أن يستلهموها في جملة لتكسب المعنى قوة، وهم يفرون من التلفظ بها، ويخشون من علماء اللغة استعمالها، لذلك رضينا من الأدب بالعدول عنها جملة وتفصيلا، حقيقة ومجازا. وبهذا سد أمام الأديب العربي باب من أوسع الأبواب وأغزرها فائدة.

(٢) وسبب آخر من أهم الأسباب في فقر الأدب العربي في التعبير، هو أن الأدب العربي الحديث أدب أرستقراطي لا أدب شعبي، وأعني أرستقراطية العلم لا أرستقراطية المال، ذلك أن الأدب الإنجليزي أو الفرنسي أو الألماني، أدب شعب لا أدب طبقة خاصة (نعم قد

<<  <  ج:
ص:  >  >>