للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ونلاحظ أيضاً أن الشباب اشد ما يكون تطوراً ونفوذاً في بناء الدولة الجديدة والمجتمع الجديد في ظل حركات الطغيان، كالبلشفية والفاشستية والوطنية الاشتراكية الألمانية. ذلك أن هذه النظم الطاغية تقوم على القوة والعنف وتحتاج أولاً إلى السواعد الفتية توازنها وتحقق لها ما شاءت من ضروب العنف والإرهاب، فإذا ما استقرت بفضل هذه السواعد القوية والأذهان الملتهبة الطامحة، اضطرت أن تفسح لها مجال النشاط والعمل تحت إشرافها ووحيها، وان توليها من النفوذ والمكانة ما يحقق بعض أطماعها، على أنها لأتقنع بحشد الشباب الناضج المكتمل، لأنها لا تأمن تطوره وانقلابه، فتعمد إلى الشباب الفتى تبث إليه تعاليمها، وتدربه على أساليبها؛ ولا تفر الأحداث والأطفال، لأنها ترى فيهم أجيالاً متعاقبة من الشباب الذي ترى أن تخلد زعامتها على يده؛ ولذلك نراها تخضع نظم التعليم والتربية لصولتها، وتطارد حرية التفكير والرأي بكل ما وسعت من ضروب العنف والشدة حتى لا تفضح مثلها ووسائلها، وحتى لا يلقى الشباب الذي تستعبده وتذله لغاياتها من النور والضياء ما يهديه إلى الحقيقة ويدفعه إلى تحطيم ذلك النير الوحشي الذي تضعه في أعناقه. وتلجأ هذه الحكومات الطاغية دائما إلى حشد الشباب في جماعات شبه عسكرية، تحت أسماء وصفات مختلفة، وتعنى عناية خاصة بتنمية الميول العسكرية والرياضية في نفسه، لتعوده أولاً على الطاعة العمياء، ثم لتحكم قيادته وتوجيهه بواسطة رياسة متدرجة مباشرة؛ وقد استطاعت الفاشستية الإيطالية أن تحشد حولها بهذه الوسيلة ملايين الشباب والأحداث، وحذت حذوها الوطنية الاشتراكية في ألمانيا فجندت الملايين باسم فرق الهجوم والحرس الأسمر، وجيش العمل، والشباب الهتلري وغيرها. ويتخذ الطغيان، الوطنية والغايات القومية ستارا لهذه الحركات؛ وقد يحقق بالفعل كثيرا من الغايات القومية المحلية أو القريبة المدى، ولكنه يعمل دائما بروح حزبي عميق، ويؤثر المبادئ والغايات الحزبية على غيرها، ويخضع الدولة لسلطان الحزبية، كما فعلت الفاشستية في إيطاليا والهتلرية في ألمانيا.

وتثير حركات الشباب اليوم في أوربا كثيرا من الاهتمام، ولا سيما بعد أن أصبحت عماد انقلابات خطيرة في نظم القارة ومجتمعاتها القديمة، وأضحت عاملا قويا في حياة أوربا السياسية. هل توجد بين حركات الشباب في مختلف البلدان خواص مشتركة؟ وما هي هذه

<<  <  ج:
ص:  >  >>