للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وكثرة الحنان، وخفة الظل.

وفيه أيضاً اجتمع فيه هدوء الإنكليزى ووطنيته الصادقة، واعتزاز الألمانى بقوميته، واعتداده بنفسه واستبداده برأيه، وفكاهة الفرنسي ومزاحه.

كان فيلسوفاً نابغة، ومؤرخاً مدققاً، وناقداً صائب الرأي قوي الحجة ساطع البرهان، وكاتباً بليغاً ساحر البيان، عجيب التصور للحقائق، مدهشاً في عرضها على قارئيه أو سامعيه واضحة جلية، وكان خياله يشبه النافورة التي يتدفق ماؤها فيسقي هياكل الأبطال القدامى العظيمة، ويحيلها إلى أناسي مثلنا يتحركون ويضطربونِ!. . .

كان في كتاباته جاداً وهازلاً، مكتئباً وضاحكاً، تلمح من خلال سطور كتاباته نفساً هادئةً، مؤمنةً، قنوعاً ولكن تجده أحياناً ليثاً كاسراً، غضوباً متمرداً. . . وكان متبرماً بالوظائف والحرف المقيدة لحريته، ولما ترك مهنة التعليم صاح محتداً ساخطاً: (لا طاقة لي بعد بهذه الحرفة الممقوتة!. . .).

وأرى أنه كان في آرائه وأقواله قومياً ومتعصباً أحياناً، , إنسانياً أحياناً أخرى. يتعصب حين يحدثك عن (كرومويل) أو عن فريديريك الكبير ملك بروسيا، فيغرق في مدحهما والإشادة بذكرهما، ويحملك على تصديق أقواله بسحر بيانه وقوة برهانه، لأن الأول إنكليزى، والثاني بروسي، وكان كارليل حريصاً على إرضاء البروسيين. ويقول الكاتب الناقد الإنكليزى ج. ك. تشسترتون: (لقد سلط كارليل تيار خياله القوي المتدفق على شخصية هي كالجمجمة جفافاً ويبوسة وصلابة (أي فرديريك)، وسكب عبقريته الخلاقة المبدعة ليخلق من أسفل وادنى وأوحش شخصية عرفها التاريخ إنساناً شهماً، كريماً عظيماً!.).

فهو إنساني حين يحدثك عن محمد صلى الله عليه وسلم والإسلام مثلاً، فيقول: (لقد أصبح من اكبر العار على أي فرد متمدن من أبناء هذا العصر أن يصغي إلى ما يظن من أن دين الإسلام كذب وان محمداً خداع مزور؛ وآن لنا أن نحارب ما يشاع من مثل هذه الأقوال السخيفة المخجلة، فإن الرسالة التي أداها ذلك الرسول ما زالت السراج المنير مدة اثني عشر قرناً بنحو مليون من الناس.) أو حين يقول: (ما محمد بالكاذب ولا الملفق، وإنما هو قطعة من الحياة قد تفطر عنها قلب الطبيعة، فإذا هي شهاب قد أضاء العالم أجمع). . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>