للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وقد قال (ريتشارد جازييت): (فلما كتب كارليل مقالته عن الإسلام ينافح فيها عن محمد ويناضل عن دينه، لم يبق هجاء أطلق يده في عرض محمد (ص) إلا قبضها مجذومة شلاء ولا فجاش ذلك الأديم الأملس، وتلك الصحيفة البيضاء بسهام السباب إلا وردت سهامه في نحره حتى راح شرف النبي في تلك الديار بفضل الفيلسوف الأكبر صحيح الأديم موفور الجانب. . .).

ومن هنا ترى أن الرجل كان يعتمد على ذكاءه وصفاء ذهنه، واستقامة منطقه القوي، وبلاغته وخياله أيضاً، في حمل الناس على اعتناق مذاهبه، والأخذ بآرائه، والإيمان بمعتقداته، وقد نجح في ذلك نجاحاً عظيماً وفاز فوزاً جباراً!. .

- ٣ -

وقد أحب ذلك الفيلسوف فتاة جميلة تدعى (مرغريت جوردون)، وقد ابتدأ ذلك الحب حين صار رئيس المدرسة التي ذكرناها ببلدة كركالدي. ووصفها في كتابه (فلسفة الملابس). وكان كارليل (يعبد الجمال ويكبر ملكات العالم (أي نساء) ويقدسهن، ويرى لهن جلالاً إلهياُ!) ولكن حظه منهن (لم يكن إلا حظ اللمس من الخيال، والغليل من الآل!)

لقد كان حبه عنيفاً جداً لمارغريت، ولا تكاد تقرأ بضع صفحات - بل بضعة أسطر - من كتابه فلسفة الملابس حين يصفها، إلا وتؤمن انه لم يكن هوى أو حباً، بل لاعجاً محرقاً، بل هياماً جنونياً، ولكن العبقري المسكين أخفق في ذلك الحب ولم يتزوج من بلومين (كما يسميها في ذلك الكتاب) لتعرض أصدقائها. . .

أسمعه يقول باكياً. . . (فكن للفتى (أي كارليل) كأنهن من الهواء مخلوقات، ومن الضياء مصوغات، أرواح في أشباح، وأذهان في ألوان. . .

وكأنهن ملائكة تحمل كل منهن معراجاً يرتقي فيه العاشق إلى مقامات الأبرار في الجنان، فليت شعري هل قضى الله للفتى المنفرد (يعني نفسه) أن يظفر يوماً ما بإحدى هذه الملكات؟ بل أين منه ذلك، هيهات هيهات!!).

(أما والذي خلق الهوى وجعله جنة المحب وجحيمه، لئن قضى الله للفتى أن تهبط عليه واحدة من تلك الخيالات المليحة، فتتحول له جسماً حياً ملموساً، وحقيقة محسة، ثم تلحظه بنظرة انعطاف وتودد، وتقول له بعينيها: (لك الآن أن تحب وتحب!) إذن فأي بركان هائج

<<  <  ج:
ص:  >  >>