للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[صور من الشعر الحديث في العراق]

للأستاذ إبراهيم الوائلي

الزهاوي

ويحتج الشاعر على هذا المنع:

بأي كتاب أم بأية سنة ... أصد مهاناً عن طريقي وأمنع

ولكن هذا الاحتجاج الصارخ لما يقابل بشيء غير التجسس ورفع التقارير إلى السلطات الحاكمة:

فما نبسوا لي بالجواب وإنما ... أعدوا جواسيساً ورائي تتبع

تراقب أفعالي وكل عشية ... إلى (يلدز) عني التقارير ترفع

ويتضح لنا أن الشاعر كان قد ذهب إلى تركيا مع رفاقه مطالبين بالحرية ورفع الظلم عن البلاد العربية وبخاصة العراق وقد كان لهذه المطالبة صدى معكوس في الدوائر الحاكمة. ويتضح لنا أيضاً أن الشاعر كان ذا خطر يخشى منه الحكام ويخافونه فلم يأمنوا جانبه إذا بقي في تركيا هو ورفاقه ولم يأمنوا جانبه إذا عاد إلى بلاده حراً طليقاً لذلك أعدوا له الأرصاد وبثوا له العيون وضيقوا عليه منافذ عيشه حتى أرجعوه محوطاً بالقوة التي لا ترحم وبالجواسيس الذين لا ذمة لهم، ولم يكن نصيب أصحابه بأقل من نصيبه فقد نفي كل واحد منهم إلى مكان وأبعد إلى منأى وعومل بمثل ما عومل به الشاعر. وهنا نترك مجال التعبير للشاعر نفسه يحدثنا عن مشهد من أشق المشاهد وأفجعها عليه وهو مشهد التوديع وما يبعثه من أسى ولوعة، مشهد الشاعر يودع أصحابه بقلب واجف مضطرب ودمع سخي متدفق، ومشهد أصحابه وهم يودعونه بمثل ما ودعهم به وكل واحد منهم محوط بفريق من الشرطة يسرعون به في طريق النفي والإبعاد:

أودعهم والقلب ممتلئ لهم ... حناناً وجفن العين بالدمع مترع

يشيعهم قلبي يسير وراءهم ... وقلبهم يمشي ورائي يشيع

يحيط بنا من كل صوب وجانب ... فريق من (البوليس) يسعى فيسرع

نبعد منفيين كل لبلده ... وما ذنبنا إلا نصائح تنفع

إذاً فلم يكن ذنب الشاعر حين لاقى ما لاقاه هو وأصحابه إلا الدعوة إلى الإصلاح ورفع

<<  <  ج:
ص:  >  >>