للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

العلوم الدينية في باب القضاء والقدر. إن مسألة الإثم والشر لا يعالجها فنان عارف بمثل هذه البساطة

. وفي قصيدة (قيثارتي) مثل قوي لهذه النزعة نحو (الشعريات) التي حاولنا إيضاحها، وهذه هي أواخر الأبيات من غير تحوير ولا مبالغة، ولو أنها أشبه بالمبالغة والتحوير:

الغور والآكام. الشعر والإلهام. مودتي وذمامي - قديم هيامي. قلبي الدامي. دمعي إلهامي. حبيسة الأنغام.

إن مثل هذا الشعر ليوحي إلى القارئ الدقيق الحس كراهة الآكام والزهور والبحار والأنغام وما إليها لهذه النغمة المبتذلة الكثيرة التكرار، التي لا تحس معها بواقعة حال صحيحة، أو شعور نضر مباشر!

وإنما أتينا بهذه الاستشهادات لندل القارئ على إننا لا نتعسف، وإلا فإن الديوان كله يصح أن يستشهد به، فما يخرج من ألفاظه ومعانيه عن هذه الألفاظ والأمثلة والمعاني.

وقد كنا نظن أن أصدقاءنا من الجيل الجديد الذين يشتغلون بالشعر، يفهمون الشعر على حقيقته، وأنه ليس ألفاظاً ومبالغات عن عالم الطبيعة والزهر والحب وما إليه من الألفاظ والأخيلة التي يسهل على أي يد تحرك القلم أن تأتي بها.

أصدقائي الشعراء، أقولها لكم مخلصاً: إن هذا عبث قبيح بالكبار. وأقبح ما فيه أن يأتي من جيل جديد له دعوى كبيرة نسمع عنها في الصحف، وهو على هذا التخلف المعيب في فهم الفنون والحياة. ولو أننا رأينا الاتجاه صحيحاً، وأن الطريق الذي تسلكونه مهماً كانت النظرة زائغة والنغم غير منسجم لتساهلنا، وكانت معالجتنا للموضوع غير هذه، غير أن الطريق من أوله خاطئ، وأن الفهم من أساسه غير صحيح، وأن هذا الطريق لا يؤدي أبداً، وأن الشيء الذي نسميه شعراً هو خلاف هذا في جملته وتفصيله، فمن شاء منكم فليرجع إلى نفسه يحاسبها، وينظر من جديد، ويقرأ ما يقول خلافه من الشعراء الفحول، وخاصة المعاصرين في أوربا ليرى في أي طريق تسير الأقدام، وأي عوالم يكتشف الفنان المعاصر، وأي المسائل يبحث النقاد، وأي (وعي فني) يجدر بالفنان الحي الذي يعيش في عالم الأحياء الشاعرين.

معاوية نور

<<  <  ج:
ص:  >  >>