للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فتأثر شيلر بقراءتهما واتجه ذهنه إلى المسرح؛ وكتب بعض القصائد والمناظر المسرحية الأولى، ولكنه مزقها، ثم بدأ بكتابة روايته المسرحية الأولى: (قطاع الطريق). وفي سنة ١٧٧٩ أتم دراسته وحصل على إجازته، وسنحت له بهذه المناسبة أول فرصة لرؤية الشاعر العظيم الذي ملأ صيته ألمانيا يومئذ، ونعني (جيته)؛ فقد وفد مع دوق فيمار على شتوتجارت في فاتحة سنة ١٧٨٠ ليشهدا احتفال الأكاديمية بتوزيع الإجازات. وكان شيلر يومئذ فتى في عشرينه، يحمل إجازة الطب والجراحة، ولكن هوى الشعر يحمله ويملأ جوانحه. وكان يتوق إلى التعرف بزعيم الشعر وإمامه؛ ولم يكن يحلم أنه سيغدو في أعوام قلائل قرينه وزميله الأوفى. ولم يهتم جيته في هذا اللقاء الأول بأمر الشاعر الحدث الذي لم يسمع به أحد بعد، ولكن نجم الشاعر الحدث كان على وشك البزوغ. ذلك أنه ما كاد يعين على أثر تخرجه طبيباً في حامية شتوتجارت بمرتب يسير، حتى عكف على إتمام درامته (قطاع الطريق)، ولكنه لم يلق ناشراً يقوم بطبعها، فاقترض نفقات الطبع من بعض أصدقائه وظهرت القصة سنة ١٧٨١ غفلاً من اسم مؤلفها؛ وهي قطعة مسرحية عنيفة تحمل طابع البداية، وفيها يصور شيلر كثيراً من عواصف حداثته. ومثلت (قطاع الطريق) عقب صدورها في شتوتجارت، ثم مثلت في العام التالي في مانهايم؛ وأحدث ظهورها وتمثيلها ضجة كبيرة. ولكن شيلر لم يؤخذ بهذا النجاح الجزئي. وكانت وظيفته العسكرية تثقل على نفسه، فاعتزم مغادرة شتوتجارت خفية إلى أفق أوسع، وفي أكتوبر سنة ١٧٨٢ غادرها مع صديق موسيقي يدعى شترايشر إلى مدينة مانهايم. وكان يحمل معه مخطوط درامة جديدة هي (فيسكو) فعرضها على مدير مسرح يدعى (دالبرج) فأعجب بها ومثلت بنجاح، وكتب في الأشهر التالية (المؤامرة والحب) ومثلت أيضاً. وكلتاهما قرينة (قطاع الطريق) في طابعها العنيف وحماستها الساذجة. بيد أنه رأى المسرح لم يحقق أمله، ولم تسعفه موارد القطع التمثيلية، فاضطر أن يبحث للعيش عن وسيلة أخرى، ولكن في دائرة الأدب أيضاً، فأصدر مجلة أدبية نقدية اسمها (تاليا) وظهر العدد الأول منها في مارس ١٧٨٥ وفيه قسم جديد من درامته الجديدة (دون كارلوس) ولكنها لم تستقبل بحماسة. وفي ذلك الحين جاء دوق فيمار إلى (دار مشتات) لزيارة صهره (اللاند جراف) وكان شيلر قد سمع كثيراً عن نبله ورفيع خلاله وتعضيده للآداب والفنون، فسار لرؤيته مزوداً ببعض

<<  <  ج:
ص:  >  >>