للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

السماء، فتمزق الردن تارة، وتشقق البنائق أخرى، وهي في كل ذلك آية في السحر والجمال والجلال. . أقول ليس على هذا السهل أخلد حياة، وأكبر فؤاداً وإحساساً من صديقكم شاعر الواد.

- أعرفتِه؟

- نعم، فهو يزورنا في غالب لياليه، ويبقى حتى مطلع الفجر. .

- هذا الشاعر الضائع يا فتاتي، هو في هذا السهل أضيع منكم غربة، يذيب كبده في لحنه، وتسيل روحه على قوافيه. . . ولا من يسمع.

- كيف!؟ إنه لا يحضر إلا ومعه لفيف من صحبه وخلطائه فكيف يكون غريباً في دياره وبين أحبابه؟

- هو غريب وحيد، يأتيكم ليأتنس بكم، هو غريب لأنه لا يجد صدى لروحه، وليست تقاس الغربة ببعد الشقة والنأي عن الوطن، وإنما تقاس بما بين الأرواح والأرواح من تفاوت وتقارب، كم من ضجيعين على مهاد واحد بينهما من البعد ما بين ذاك النجم وهذا الوتد.

فهزت النورية رأسها فعل الحائر الذي لم يفهم.

وكنا ضقنا بصاحبنا ذرعاً، وأسمعناه من قوارص اللوم والاستخفاف بفلسفته التي جاء يلقيها في مضارب النَوَر شيئاً كثيراً، وكأنه تعب. . فلم يعمل في هذه المرة على إفهامها. . . فقلنا له متندرين مالك؟ عد إلى وصول قولتك، وشرح فلسفتك.

قال: أطلتم اللوم، لقد نلنا مبتغانا، أما كان عزمنا أن نذهب بشيء من ألم هذه الفتاة، فها هي الابتسامة تسيل على شفتها، وشفاه عدة من قومها، قلنا: غلطت يا أستاذ، فما هي ابتسامة الصفو، وإنما هي ابتسامة الاستخفاف بك، والهزء من أقوالك.

- ليكن، فما يضيرني أن أكون ساعة موضع سخرية النَّور. .

وطلعت علينا الشرطة، فخفقت قلوبهم، فراحوا يلملمون أنفسهم، ويلقون علينا نظرات الرجاء أن نكفيهم شر هذا البلاء فكنا عند حسن ظنهم.

وقمنا إلى السيارة، ولما تبوأنا مقاعدنا جاءت النورية وهمست في أذن صاحبها:

- أيوجد مثلنا أناس يذوقون حر سياط الجنود الغلاظ الأكبد؟ وهل يساوينا أحد في هذه

<<  <  ج:
ص:  >  >>