للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

العُلوم

القهوة

للدكتور أحمد زكي. أستاذ الكيمياء بكلية العلوم

جمال الدين أبو عبد الله محمد بن سعيد الذبحاني شيخ من أشياخ اليمن عاش في منتصف القرن التاسع الهجري (منتصف القرن الخامس عشر الميلادي) وكان متواليا رياسة الإفتاء بعدن، تعرض عليه الفتاوي فيقر منها ما يراه صوابا ويصحح ما احتاج منها إلى تصحيح. عرض له أمر اقتضى خروجه من عدن إلى بر الأعاجم، وأغلب الظن أنه الحبشة، وعاش في أهله دهراً يشرب معهم شراباً لم تعرفه الأعارب، فلما رجع إلى عدن مرض فتذكر الشراب فأحضر شيئا من ذلك الحب وحمصه وطبخه بالماء كما كان يطبخه الأحباش، فخف عنه المرض وذهب عنه السوء، ووجد فيما وجد من خواصه أنه يذهب بالنعاس والكسل ويكسب البدن خفة ونشاطاً. وكان من أمر الشيخ بعد هذا أنه سلك طريق التصوف فصار هو وغيره من الصوفية يستعينون بهذا الشراب الجديد على السهر وقيام الليل في التعب والأذكار، وأسموه القهوة، ومن ثم انتشر شرب القهوة فشمل الفقهاء والعوام، هؤلاء يستعينون بها على مدارسة العلوم، وأولئك للمثابرة والمجالدة في معالجة الصناعات والفنون. وبلغت القهوة مكة فشربها بعض الأشياخ والقضاة وارتاب فيها أئمة آخرون، أما من شربها فرآها شراباً حلالا طيباً مما أخرجته الأرض بإذن الله، والله يقول (خلق لكم ما في الأرض جميعاً) وأما من أباها فرآها شراباً حراما مسكراً يحصل بشربه ضرر في الأبدان والعقول، وكان لهم في ذلك جدل طويل وحجاج مستفيض انقلب إلى محنة وفتنة، وكثر التعصب لها وعليها من الجانبين، وشاع التقاطع والتدابر بين الفريقين، وبلغ الغضب بنفر من الأتقياء الصالحين البررة الأطهار أن حدثوا عن رسول الله (ص) أنه قال من شرب القهوة يحشر يوم القيامة ووجهه أسود من أسافل أوانيها.

ولم يهل القرن العاشر الهجري حتى ظهرت القهوة في مصر وكان أول ظهورها في الجامع الأزهر برواق اليمن، فكان اليمانيون ومن ساكنهم من أهل الحرمين وبعض العامة يجتمعون للأذكار والمدائح على طريقتهم كل ليلة اثنين وجمعة، فتقدم إليهم القهوة في ناجود كبير من الفخار الأحمر، وكان يغترف منها النقيب بسكرَّجة صغيرة، ويسقيهم الأيمن

<<  <  ج:
ص:  >  >>