للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

لنا إن البحارة العرب ذهبوا في جرأتهم إلى حد التجول في مياه الاطلنطيق ومهاجمة شواطئ فرنسا الغربية، وإن سفينة عربية كبيرة اجتازت في ذلك الحين مياه الاطلنطيق حتى مصب نهراللوار.

وفي سنة ٨٣٨م خرج أسطول عربي من ثغر طراكونه (تراجونا) ومياه البليار، ورسى في مياه بروفانس، وهاجم ثغر مرسيليا وما حوله من المواقع والأراضي، وأثخن فيها، وحمل كثيراً من الغنائم والسبى. وكان على عرش فرنسا يومئذ لويس (لي ديبونير) بن شارلمان، وكان ملكاً عاجزاً ضعيفاً، فلما توفي في سنة ٨٤٠م، اضطربت أحوال المملكة، وضعفت الثغور، فانتهز البحارة العرب تلك الفرصة، وغزوا بروفانس عند مصب نهر الرون، وهاجموا مدينة آرل، وخربوا معاهدها. ثم توالت غزواتهم بعد ذلك في تلك المياه، وهاجموا مراراً مرسيليا وآرل. وفي سنة ٨٥٠، في عهد عبد الرحمن بن الحكم أمير الأندلس، عبر المسلمون جبال البرنيه مرة أخرى بقيادة موسى حاكم سرقسطة وغزوا سبتمانيا، وأثخنوا في نواحيها، واضطر شارل (الأصلع) ملك فرنسا أن يعقد الصلح معهم؛ ومن المرجح أن هذه الغزوة كانت ذات صفة رسمية، وأن حكومة قرطبة هي التي نظمتها أو أوحت بتنظيمها. وفي سنة٨٦٩، هاجمت شراذم من البحارة العرب بروفانس مرة أخرى، واستولت على جزيرة كامارج الواقعة في مصب الرون، وأسرت أسقف آرل الذي كان يقيم فيها، وعادت مثقلة بالغنائم والأسرى.

- ٢ -

ولقد أذكى نجاح هذه الغزوات المتوالية في نفوس المغامرين والمجاهدين من مسلمي الأندلس وأفريقية حب التوغل في هاتيك الأنحاء ورغبة استعمارها والاستقرار فيها. وكانت أحوال غاليس (جنوب فرنسا) قد اضطربت يومئذ، وغاب سيد من سادة تلك الأنحاء يدعى بوسون على ولايتي دوفينه وبروفانس وتلقب بملك آرل، وقام يناوئه بعض منافسيه، ونشبت بينه وبينهم حروب أهلية (نحو سنة ٨٩٠). ففي تلك الآونة رست سفينة عربية صغيرة عليها عشرون بحاراً من المسلمين في خليج جريمو أو خليج سان تروبيه، ونزلوا إلى الشاطئ، ولجأوا إلى غابة كثيفة تظللها الجبال، ثم هاجموا بعض الضياع القريبة وفتكوا بسكانها. ولما رأوا منعة معقلهم سواء من جهة البر أم البحر، عولوا على الاستقرار

<<  <  ج:
ص:  >  >>