للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومن قبل عني المفضل الضبي بجمع شعر الشعراء المقلين فخدم بذلك الاتجاه التاريخي الذي نتوجهه أجل خدمة، إذ كانت المفضليات أصدق صورة للعصر الجاهلي.

هذه ميزة شديدة الوضوح من ميزات كتاب الأوراق، لها خطرها فيما نقصد إليه من الدراسة الأدبية. ولست أتعرض الآن لشرح هذا الوجه من الخطورة، ولعله يتاح لنا فيما بعد أن ندرسه دراسة مفصلة تتسع لما لا تتسع له هذه الكلمة العاجلة.

ومما يستطرف ويلفت النظر في هذا الكتاب، أنه يظهرنا على أولية ذلك النوع من الشعر الذي يسميه الفرنسيون الشعر التعليمي في الأدب العربي، فنحن نرى أنه قد بدأ بأبان بن عبد الحميد اللاحقي، فقد صنع قصيدة سرد فيها أحكام الصيام على نحو ما نعرفه في منظومات العلوم. والظاهر أن أبان كان مضطلعاً بهذا النوع من الشعر، فقد نظم كذلك كتاب كليلة ودمنة، وكتاب المنطق، وكان ذلك فناً طريقاً. وقد ذكر الصولي أنه عاتب البرامكة على قلة عطائهم مع خدمته لهم وموضعه منهم، فأشار عليه الفضل أن يقول شعره في هجاء الطالبيين، فتذمم أبان، ثم قال قصيدة استطرفها الفضل، وهي لا شك طريفة. فقد سلك فيها مسلكاً عجباً من الشعر، إذ أخذ يجادل الطالبيين في دعواهم جدلاً فقهياً بحتاً مستنداً إلى أحكام الوراثة في الإسلام وما يقرره الشرع في حالات الحجب والهبة وما إلى ذلك. ولما جاء بهذه الأبيات إلى الفضل قال له: ما يرد اليوم على أمير المؤمنين شئ أعجب إليه من أبياتك.

هذا تاريخ نوع من الشعر كثير الشيوع في اللغة العربية، على أن لهذا فيما أحسب، بعض الدلالات الأخرى على بعض العوامل في ذلك العصر.

وعقد الصولي فصلاً عما روى في صحة دين أبان، وعندي أن هذه النصوص التي تروى في هذه الصدد عظيمة الخطورة في تحقيق المسألة الدينية في عصر العباسيين: ذلك الأمر الذي اضطربت فيه الأقوال واشتبهت فيه الظنون، واختلفت فيه منازع الرأي. ولا يزال في حاجة إلى التحقيق العلمي القائم على النقول الصحيحة والنقد المنزه البصير.

وبعد فما نستقصي في بيان قيمة كتاب الأوراق من ناحية التاريخ الأدبي، وحسبنا أن يكون هذا الكتاب زيادة في المادة التي ترتكز عليها أبحاثنا، وأن يكون واضعه أبو بكر الصولي، وهو من عرفنا، وأن ينشر نشراً علمياً خالصاً لوجه العلم والأدب. حتى نحتفي به، ونرحب

<<  <  ج:
ص:  >  >>