للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[القصص]

بقية حية

للكاتب الروسي تورجنيف

كان تورجنيف خلال صيد يفتش عن ملجأ من المطر في مزرعة لامه. فهبط كوخا مهجورا ووجد خصا في زاوية من زوايا سرير خشبي يرقد عليه شكل إنساني صغير) قال تورجنيف:

دنوت ولكن الدهشة سمرتني في مكاني. أن إزائي كائنا حيا، ولكن ما هو هذا الكائن؟

وجه غاض منه ماء الحياة، وغشيه لون برنزي كأنما يرى فيه الناظر صورة قديسة قديمة، وأنف دق مارنه حتى أشبه حد المدية، وشفتان دقيقتان نحيفتان لا تكادان تحسان، وعينان لامعتان، وأسنان بيضاء، وبعض غدائر شقراء ناست تحت النقاب، وفي أطواء الفضاء تتحرك ببطيء أصابع يدين ووجه لا يسمه القبح، وإنما هو جميل، ولكنه غريب مؤثر، وكان اشد ما اثر في نفسي ما لمحته على الخدين المتصلبين من صورة ابتسامة تجهد نفسها عبثا لتظهر

- ألا تعرفني يا سيدي؟

تردد ذلك الصوت الذي راح يردده هذا الكائن كنفحة، تحركت به شفتان بعناء

- إنني (لو كريا) هل تذكرني؟ أنا التي كنت أرسل الأغاني وأثير الضحك عند أمك!

- أأنت (لو كريا) انت؟ هذا مستحيل

- أنا هي بذاتها

وما كان لي إلا القول والنظر كالمجذوب في هذا الوجه الأربد، وفي هاتين العينين اللامعتين الشاخصتين بدون حياة.

أهذه المومياء هي (لو كريا) أجمل وأبهى إمائنا، من كانت بضة الإهاب وردية اللون، ترقص وتضحك وتمرح وتغني؟ لو كريا. . . الرقيقة التي فتنت رفاقها، ومن كنت أبسم لها خفية حينما كنت في السادسة عشرة؟

آه يا لو كريا ماذا أصابك؟

- حادثة مروعة، ولكن لا تخش يا سيدي، ولا تعرك السآمة من حالي. اجلس مني قريبا

<<  <  ج:
ص:  >  >>