للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الذي جعل من الكون جزأين: أحدهما عالم الأرواح والآخر عالم الأجساد، فجاء ليبنيز ونقض هذا المذهب، وأحل محله مذهب (الجزء الفرد الذي لا يتجزأ ولا يفنى، وشأنه في مذهبه هذا كشأنه في غيره يفتقر إلى ترتيب وتوفيق وتوحيد

وهذا العمل الذي كانت تفتقر إليه آثار (ليبنيز) إنما أتمَّه وشذَّبه من بعده الفيلسوف الصارم (وولف) الذي نزع عن فلسفة ليبنيز الخيال والشعر وشد وثاقها بالحقيقة، ونفي عنها شيئاً وزاد عليها شيئاً حتى غدت أجزاؤها متآلفة متداخلة كأنها أعضاء في جسد واحد. وقد كان له تأثيره العظيم في الأدب الألماني والفلسفة الألمانية بشهادة الفيلسوف (كانت)، لأنه هو الذي خلق في الألمانية لغةً للفلسفة خاصة، وهو الذي فتح آفاقاً واسعة في التعبير والأداء لمن بعده، فهان على هؤلاء أن يجلوا وأن يحلقوا ما استطاعوا؛ ومن هؤلاء (كانت) نفسه، الذي كانت له صفحات خاصة تشدو بالمزايا التي أسداها (وولف) إلى الأدب وإلى الفلسفة

على أن الأندية الفلسفية قد تغض بصرها عن كل ما شاد هؤلاء في صرح الفلسفة، وتعتقد أن الفلسفة الألمانية إنما كانت قبل (كانت) غيهباً ممدوداً، وأن الذي محا هذا الغيهب وبعث النور في خلاله هو الفيلسوف العظيم (كانت) الذي تزعزعت له الأندية الفلسفية والأدبية، وكانت له فيهما جولات يعزى إليها كل ما غمر الحقل الأدبي والفلسفي - في ألمانيا - من خصب ومن إنتاج.

كانت ١٧٢٤ - ١٨٠٤ حياته: فلسفته: تأثيره

حياته

كان (كانت) في التاسعة من عمره حين فقد والده، فكفلته أمه ونشأته تنشئة عالية، فدرس في بدء عهد اللاهوت، كما هو العهد في دراسات تلك العصور، ثم درس الرياضيات، ثم الفلسفة، حتى إذا أتم عهد الدراسة عرض له هم المعيشة، الهم الذي كان يوقر ظهره في جميع أدوار حياته، فرضى بأن يدرس في مواطن خاصة، وهو خلال ذلك يتفرغ إلى الدرس، ويلم بجميع العلوم التي توائم الفلسفة. وفي عام (١٧٧٠) أُسند إليه كرسي خاص لتدريس الفلسفة، وقد عاد أمره إلى الضيق، وحريته إلى الإرهاق في عهد فردريك غليوم، إذ تدافعت عليه الوشايات يخلقها حسد القوم؛ ولكنه ظل مثابراً على العمل حتى عام

<<  <  ج:
ص:  >  >>