للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

قلت: (أفلا تودين أن يكون لنا هذا القصر، نعيش للحب في افيائه ونستظل منه بوارف السعادة؟)

قالت: (ما أتمنى لهذا الحب أن يتعلق من أوهام الأرض بمثل ذاك! ليتني وإياك على رمث في البحر ليس لنا إلا البحر، أو في كوخ من قش على حدود الدنيا ليس لنا إلا حدود الدنيا، أو كهف من جبل في طريق الصحراء ليس لنا إلا الصحراء، فهناك سمو الحب لا حيث ترى الآن. .! ما لنا وللناس يا حبيبي نطاولهم بالطين والتراب؟ وإنما الحب قلب لقلب، ودنيا من وراء الدنيا. أنا وأنت هما كل الناس، ويومنا هو الزمان، ومجلسنا العين في العين، والجنب إلى الجنب، هو الدنيا كلها ما تتسع لغيره، ولا تمتد لسواه؟

ورسا بنا الفلك على خضراء مزهرة، فانسابت هي في الطريق على حذر ورقبة، وخلفتني هناك أنتظر. . .

باويح الشباب من أحلامه! متى تعود إلى جانبي، فنعيش الروح للروح، والنفس للنفس؟ لقد طالت بها النوى وما آبت

ومضيت أتوكأ على نفسي في ظلال الروض، أتمثلها في كل منعطف وكل ثنية، وإن عيني لتأخذان الطريق، وإن الزهرة لتهمس في أذن أختها: (لقد كانت هنا ثم لم تكن!)، وإن الغصن الناضر ليشير بإصبعه إلى هناك؛ وكل شيء من حوله قد مسته الحياة، ونفخ فيه الحب روحا من روحه، إلا. . . إلا قلبي؟

وتهاويت على مقعد بين ملتف الحدائق، فأغمضت عيني وإنني ليقظان، وسمعت من خلل الغصون حمامة تقول لأختها (انظري! هل يعرف السلام من عرف الحب؟)

ودقت بجناحيها فطرفت عيني، ثم علت فأمعنت في الجو تصعيدا، وإن عبارتها لترن في آذني؛ وفتحت عيني فإذا هي إلى جانبي. .!

قلت: (أهذا أنت يا حبيبي! ما أصبرك على البعاد!)

قالت: (فانك ما تزال هنا، لقد كنت على يقين بأنك تنتظر!)

قلت: (وأين لي أن ألتمس السعادة في غير دنياك، وكيف لي أن أمل الثواء هنا، ومعي خيالك، وأنا منك على ميعاد؟)

وذهبنا نخطر جنبا إلى جنب، وإن قلبي ليتحدث، وإن قلبها ليجيب، وإن المنى لتبتسم!

<<  <  ج:
ص:  >  >>