للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والأشياء الكبيرة من جهة أخرى بفضل ما وهبه الله من الصفات العقلية والروحية

قد يقول البعض إن الإنسان استطاع أن يصل إلى نقطة قد تساعده على فهم أسرار هذا الوجود، وعلى الكشف عن غوامضه والوقوف على حقيقته

ولكن مهلاً. . . . كلما تقدم الإنسان في الكشف عن قوانين الطبيعة وفي تفهم أسرارها، رأى نفسه أمام أسئلة عديدة لا يستطيع الإجابة عنها، وقد زاد اعتقاداً بضالته وجهله وبأنه لم يكتشف شيئاً بعد، وأنه لا يزال في فجر يقظته العقلية، وفي أول مراحل التفكير الجدي في الوقوف على أسرار الوجود. وكلما قلب بصره في هذا الفضاء وزاد معرفة به، شعر بأن الوداعة تقترب منه، وأن من الواجب عليه أن يكون في الذروة العليا من التواضع وسمو الخلق؛ ولا عجب في ذلك، فحسبه أن يعرف أن الأرض إزاء الأجرام السماوية التي لا عد لها أشكالاً وأنواعا كذرة من الغبار سائرة إلى الفناء لا تأبه للحياة

وفوق ذلك فأجزاء هذا العالم مرتبط بعضها ببعض ارتباطا وثيقا لا يستغني أحدهما عن الآخر، ولا يستطيع أي جزء أن يسير بدون غيره، والإنسان مرتبط بأخيه الإنسان، وهذه كرته التي يعيش عليها وما فيها من حيوان وجماد ونبات، لها علاقات مباشرة وغير مباشرة مع غيرها من الكواكب والنجوم؛ فلولا الشمس لما عاش النبات والحيوان والإنسان، ولولا القمر لأختل نظام التجارة، ولولا الكواكب والنجوم وجذب بعضها لبعض لما استطاع أن يحفظ كل نجم أو كوكب مركزه في هذا الوجود، ولسادت الفوضى وعم البلاء. وعلى هذه الحال، فالعالم مترابطة أجزاؤه، تسيطر عليها أنظمة وتتولاها قوانين لا تتعداها ولا تشذ عنها. والذي لا ريب فيه أن هذا الكون لم يوجد من تلقاء نفسه، إذ لو كان كذلك لما رأينا فيه (أي في الكون) هذا النظام وهذا التنسيق، بل إن هناك قوة خارقة منسقة منظمة، لا يحيط بها عقلنا، بل هي تحيط بنا وبهذا الوجود من كل نواحيه. أوجدت هذا الكون الأعظم وجعلته يسير ضمن نواميس ثابتة. ومهمتنا نحن البشر أن نزيد معارفنا عن هذه النواميس ونبحث في أصولها، وكلما زدنا معرفة بها زدنا اعتقاداً بقدرة الله الخارقة المنظمة، وأيماناً بعظمته وقوة إبداعه، وظهر لنا بجلاء مقام الإنسان في هذا الكون الذي لم يخلق باطلا

هذا الاعتقاد، وذاك الإيمان إذ رسخا عن طريق الدرس والبحث فانهما يسموان بصاحبهما

<<  <  ج:
ص:  >  >>