للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الألمانية في تطورها لم تكن مرتبطة بالحركات الدينية والثقافية والاجتماعية التي غمرت القارة الأوربية. فقد كانت ألمانيا قبل دخول المسيحية إليها في حالة أقل ما توصف به إنها حالة غامضة مهمة، وكان الناس إذ ذاك يكادون ألا يعرفوا شيئاً غير الجمود والنسك، شأنهم في ذلك شأن بقية الناس في البلاد الأوربية الأخرى. ثم تلا ذلك عصر آخر اضطر فيه فرسان الحروب الصليبية إلى التقهقر أمام المدن الثائرة. وجاء عصر الإصلاح ممهداً لعصر النهضة. وكانت ألمانيا أسرع من جيرانها استجابة للحوادث الجسام التي كانت تنتاب أوربا من وقت إلى آخر. وإذا كان من المسلم به أنه لا يوجد أدب أوربي كان في كل تطوراته مستقلاً تمام الاستقلال عن آداب جيرانه، فانه مما لا شك فيه أن الآداب الألمانية مدينة بالشيء الكثير إلى آداب الغير. لهذا كانت دراسة الآداب الألمانية هي، إلى حد بعيد، دراسة ما يطلقون عليه اليوم اسم (الأدب المقارن)، وإذاً فمن المهم معرفة مركز الآداب الألمانية بالنسبة للآداب الأوربية، وعلاقة هذه بتلك. وستؤدي بنا طبيعة هذا البحث إلى التمييز بين الوطني من آداب الألمان والأممي منها. وكذلك سنقف على مدى تشعب كل من النزعتين في تطور الآداب الألمانية وما ينتسب منها إلى الوطنية، وما له صلة بالتاريخ السياسي أو الاجتماعي

ولكل من مؤرخي الآداب الألمانية طريقه الخاص في استعراضه لتاريخ هذه الآداب. وكذلك كانت نظرة كل منهم في تقسيم تاريخه إلى مراحل. وموقفنا هنا يضطرنا إلى الأخذ بالسهل منها؛ ولذلك يمكننا القول بأن تاريخ الآداب الألمانية ينقسم إلى ثلاثة أقسام بينة، لثلاثة عصور مختلفة، لكل عصر منها لغته وطابعه. فالقسم الأول يشمل العصر القديم للألمانية الرفيعة الذي يبدأ حوالي سنة ٧٥٠ ميلادية، وينتهي حوالي سنة ١٠٥٠. والقسم الثاني يشمل العصر الوسط لآداب الألمانية الرفيعة، يبدأ من سنة ١٠٥٠ وينتهي سنة ١٣٥٠ ميلادية، ثم العصر الأول لجديد آداب الألمانية الرفيعة الذي يبدأ من سنة ١٣٥٠ وينتهي سنة ١٧٠٠ ميلادية، ثم تلي تطورات الآداب الألمانية في هذه المراحل الثلاث تطوراته الأخيرة في كل من القرون الثامن عشر والتاسع عشر والعشرين

وسنعالج كل طور من هذه الأطوار التي مر بها الأدب الألماني في باب خاص، جاعلين بغيتنا في ذلك إيضاح النزعات الفنية في الآداب الألمانية وأثر كل منها في تاريخه

<<  <  ج:
ص:  >  >>