للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وأن الحرب أنهكت قواهم، لأنه تفقد مع خالد ميدان المعركة وأطلعته على قتل الحنفيين، وهو الذي دلهم على جثة المحكم بن الطفيل وجثة مسليمة. ولا شك أنه تأكد شدة مصاب المسلمين. فلما ذهب بمهمته تقين شدة الشروط التي فرضها خالد على بني قومه فأراد أن يخدمهم خدمة يخلص بها قومه من هذه الشروط القاسية ويمهد السبيل لاستلانة جانب خالد. وفي مثل هذا الموقف دبر حيلة أثبت بها ذكاءه.

وكانت الحيلة التي دبرها - كما يرويها الرواة - تتلخص في ما يلي: (دخل مجاعة الحصون وليس فيها إلا النساء والصبيان ومشيخة ثانية ورجالهم ضعفاء، فظاهر الحديد على النساء أي ألبسهن الدروع وسلحهن - وأمرهن بأن ينشرن شعورهن ويشرفن على رؤوس الحصون إلى أن يرجع إليهن)، وبذلك أراد أن يظهر لخالد أن القوم لا يزلون في حصونهم متأهبين للدفاع لكي يحمله على تخفيف الشروط فلما عاد فال لخالد: (أن القوم قد أبوا أن يخبروا ما صالحتك عليه ولكن إن شئت صنعت شيئاً فعرضت على القوم) يريد بذلك أن يخفف خالد من شروط الصلح وحدق المسلمون من بعيد إلى الحصن، فرأوا عليها الناس ضانين أن بني حنيفة محتلوها وأنهم عازمون على الدفاع.

ولقي مجاعة صعوبة في حمل المخالفين من بني حنيفة على قبول شروط الصلح. كان سلمة بن عمير يقول لبني حنيفة: (قاتلوا عن أحسابكم ولا تصالحوا على شيء).

أما مجاعة فيقول لهم: (يابني حنيفة أطيعوني واعصوا سلمة فإنه رجل مشئوم، قبل أن يصيبم ما قال شرحبيل بن مسيلمة، قبل أن تستردف النساء غير راضيات، وينكحن غير راضيات).

والرواية تقول أن بني حنيفة أطاعوا مجاعة وعصوا سلمة وكان من أمر حيلته ان أقنع خالداً بأن يخفف شروط الصلح ففرض الربع من السبي والنصف من الذهب والفضة والسلاح والخيل بعدما كان قد طلب أن يعطوه كل ذلك فلما فرغ من الصلح، وفتحت الحصون أبوابها إلا النساء والصبيان. فقال خالد لمجاعة: (ويحك خدعتني) فقال مجاعة: (قومي، ولم أستطع إلا ما صنعت).

لم يسق مجاعة وجعه لقومه ولا استهواه حب الانتقام قطاش حتى يدع بني جلدته يلقون أنفسهم في مهاوي الهلاك بل كان خلصاً في قضيت، وعمد مجاعة إلى الحيلة الواسعة

<<  <  ج:
ص:  >  >>