للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وبعد ساعة نزلنا منزلا على الطريق اسمه رزان، وقد اعد لنا الشاي والفاكهة، والفستق والحمص وااللوز الخ، فرأينا ضربا من الحمص والفستق كبيرا لم نر مثله من قبل. وكان سير دنسن رس، والشاعر الإنكليزي درنك ووتر قد سبقا إلى هذا النزل، إذ فارقا همذان قبل الركب دون أن يزورا قبري ايستر ومردخاي، فطال بهما الانتظار في هذا النزل، فلما بلغته أنا ورفيقي عبد الكريم الحسيني قابلني أستاذي رس دهشا يقول: لماذا تاخرتم! هل زرتم ايستر ومردخاي، قلت نعم. قال هل ألقى فلان هناك محاضرة طويلة؟ قلت محاضرة قصيرة. قال ذلك ما ظننت. قد تخرنا جدا واظلم الليل. ثم سرنا قبل ان يدركنا الرفاق في طريق موحشة تتخللها قرى وضياع قليلة، منها مكان اسمه اب كرم أي الماء الحار فيه حمة، أي ينبوع ماء حار. وقفنا للاستراحة ورؤية الينبوع، فتركنا السيارة ومشينا وراء رجل يحمل مصباحا حتى أتينا النبع، فإذا حجرة فيها حوض يفور منه الماء، فقلت لصاحبي: ما أحسنه حماما لو هيء له بناء. وكم في الشرق من معادن ومياه أغفلتها الأفكار والأيدي! واستأنفنا السير، وطال بنا السفر، حتى لاحت قزوين تحت ظلام الليل، فوردناها متعبين والساعة تسع ونصف من المساء، وقدم بقية الركب بعد ساعة. بتنا في دار جميلة بجانب كنيسة روسية. وقد وهبت الدولة الروسية هذه الدار والكنيسة وما يتصل بهما للدولة الإيرانية.

وقزوين بلد قديم ذكره بطليموس باسم قسايين. وهي على الجادة العظمى من بغداد إلى خراسان، وتلتقي عندها طرق القوافل الآتية من الشرق والغرب والشمال والجنوب، فمن اجل ذلك اتسع عمرانها في القديم وراجت تجارتها، وهي على مقربة من جبال البرز، ويجري عندها نهر صغير يفضي إلى نهر ابهر، وتبعد عن طهران مائة وخمسين كيلا.

وكانت قبل الإسلام وبعده ثغرا لمحاربة الديلم. وقد مصرها سعيد بن العاص بن امية، وجعلها مغزى أهل الكوفة. وأغزى الحجاج ابنه محمدا الديلم، فنزل قزوين وبنى بها مسجدا سمى بعد مسجد الثور. وبنى موسى الهادي مدينة بجوارها عرفت بمدينة موسى. وبنى المبارك التركي مولى المأمون أو المعتصم حصنا بها سماه المباركية. وروى ياقوت (اجتاز الرشيد بهمذان، وهو يريد خراسان، فاعترضه أهل قزوين، واخبروه بمكانهم من العدو، وعنائهم في مجاهدته، وسألوه النظر لهم، وتخفيف ما يلزمهم من عشر غلاتهم في

<<  <  ج:
ص:  >  >>