للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ليت شعري أتراه يضيق بالحياة ويبرم بها، ويسر كلما طوى من كتابها صفحة، واقترب من غايتها خطوة. اللهم إن الأنسان لأ كلف بالحياة، وأود لو تطر به إلى غاية الزمان، وإلى ما بعد غاية الزمان! أليس أبر عزائه في هذه الحياة إذا عرض ذكر الموت، ولا مفر منه، أنه مبعوث من بعده لحياة لا يدركها عدم ولا يلحقها فناء؟

إذن ففيم فرح الأنسان بدورة الأيام، واغتباطه بالتخلص من عام لأستقبال عام؟

ألاَ إن أعجب من هذا كله أن يراجع الأنسان نفسه، ويسائلها فيم اغتبطاها وفرحها من حيث يجب أن يتداخلها الاسى وتلح عليها الحسرة من كل مكان؟!

اللهم إنه ليكلف بطول العمر، ويكلف بقصر العمر، وإنه ليشغف ببسطة الأيام، ويشغف بنفاد ما بقي بين يديه من الأيام!.

اللهم إنه لا يستريح إلى هذا المحال، إلا من كان به مس من جنون أو مس من خبال!

* * *

ليس الانسان مجنوناً ولا مخبلاً؛ بل إنه ليفر فيحسن التفكير، ويقدر فيصيب التقدير، ويدبر فيُحكم التدبير. وإن عقله الجبار ليأبى إلا يستذل عنف الطبيعة كل يوم. وها هوذا لا يفتأ يسخر لحاجاته جوها وماءها، وأرضها وسماءها، بما لا يحتاج معه إلى قيام دليل على صحة العقل وسلامة التفكير!

ما لنا بعد هذ بد من التدسس إلى قررة النفس، والتسلسل إلى ثناياتها، علنا نصي الوجه ونستخرج العلة في ذلك الذي نحسبه في المحال!

ها نحن اولاء نتحرى خطرات النفس، ونتقرى خلجات الحس، فنسير وراءها حيثما سارت، وندور معها كيفما دارت. حتى إذا بلغت سائلها القرار، تهيأ لنا أن نروى عنها أصح الانباء واصدق الاخبار.

هذ الانسان العاقل المفكر الدبر، يجزع حقاً أشد الجزع لما ينطوي من أيام عمره، ولقد يهش حقاً لما يستقبل من بقايا أيام الحياة. غبر انه لا يعقد أية صلة بين هاتين النزعتين القويتين فينفسه، فهذه تكون منه في حال، وهذه تكون في خال، فليس ثمت في الأمر للمحال. فاذا طلبت بياناً فاليك البيان:

إن علة العلل في كل هذ الذي ترى من تناقض الانسان، وخلاف نزعات نفسه بعضها

<<  <  ج:
ص:  >  >>