للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

خير التعاريف تعريف الأب اكسافييه بيتينللي خصم دانتي الألد وهو قوله:

(الشعر حلم يتهيأ في يقظة العقل)، وكتب أدريانو تلغر في مؤلفه دراسة الشعر شرحاً دقيقاً لهذا التعريف قال: (لو تأملت قليلاً، وجدت أن التعريف الذي يتصل بعلم الجمال الحديث اتصالاً مباشراً إنما يتمثل فيما قاله ذلك اليسوعي عدو دانتي (يقصد به الأب اكسافييه)، وهو أن الفن حل. فهو نشاط روحي يتميز بطبيعة العقل وبالتفكير والمنطق، ولكنه حلم في يقظة العقل؛ فالفنان يحلم، ولكنه يدرك ما يتراءى له، أي يحلم وعيناه مفتوحتان، وهو يحلم ولكن نتيجة ذلك الخلم تخالف ما نحلم به ونحن رقود. فحلم الفنان إغفاءة في يقظة الضمير ورقابة العقل، فلا هو حلم كما نفهم من كلمة حلم، ولا هو نتيجة خالصة للعقل، ولكنه شيء لا هو بالحلم ولا هو بالأدراك. وإذا كان الفن حلماً يتهيأ في حالة اليقظة فمعنى ذلك أن الفن نتيجة روحية سابقة لانتباه العقل، منطقية سابقة للمنطق؛ وهو إدراك خالص للتصور وللضمير في وقت واحد. أي إن هؤلاء الذين هم في حضرة عقولهم وصحو ضمائرهم وكمال يقظتهم الفنية لم يخرجوا عن الصواب

من بشر بن عوانة؟

هل عثر أديب من الأدباء على اسم هذا الشاعر في غير المقامة البشرية لبديع الزمان الهمذاني، وكتاب تاريخ أدب اللغة العربية للمرحوم جورجي زيدان، وكتب المحفوظات لوزارة المعارف المصرية؟ أما نا فلم يقع لي هذا الاسم في سفر من أسفار التاريخ ولا في كتاب من كتب الأدب على كثرة ما قرأت، فرجع عندي أن بشر بن عوانه الأسدي شخصية خرافية من شخصيات المقامات، خلقها البديع، وأجرى على لسانها تلك القصيدة المشهورة وفي وصف قتال الاسد

وقد راعى البديع في نظمها الصيغة المحلية للعصر الجاهلي الذي فرض وقوع حادثها فيه، فجاءت في لغتها وأسلوبها وصورها أشبه بما قيل من نوعها في ذلك العصر، فدخلت في مختار لشعر، وسارت على ألسنة الشعراء، حتى خدعت رجال الأدب في وزارة المعارف، فحفظوها للطلاب على انها قصيدة جاهلية لشاعر جاهلي اسم بشر بن عوانه كان من امره وخبره ما أخبر عنه البديع في مقامته. وجاء المرحوم جوؤجن زيدان، فوجد القصيدة تدرس في المدارس، وصاحبها يذكر في الشعراء، فاقبته في الجاهليين، وترجم له قصيدة لم يرجع

<<  <  ج:
ص:  >  >>