للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

حضرته والاعتراف من فبض جوده. فجعل يراجع الشاهنامة، مطامنا بين أجزائها، مكملاً ما نقص منها، مستدركاً ما فاته في نسختها الأولى ومحلياً فصولها بَمدَح سنية بطوق بها جيد ذلك الملك العظيم. وقد قضى في ذلك إحدى عشرة سنة، فقد فرغ من إعداد النسخة الثانية للشاهنامة عام ٤٠٠ هـ وبلغت عدة أبياتها ستين ألفاً

توجه الفردوسي إلى غزنة ومعه راوية ونسخة الشاهنامة، فلقى وزير السلطان الرئيس الكبير أبا العباس الفضل بن أحمد، وكان معيناً بشر الفارسية، ولا ريب أنه أدرك أنها ثمرة مجهود عقل جبار، ولكنه مع ذلك لم يتقبلها بقبول حسن. والروايات القديمة مجمعة على أن الوشاية والكيد قد عملا عملهما في إفساد قلب السلطان على الوزير والشاعر معاً. ولكن الأمر أجل من ذلك وأعظم. فليس من شك في أن ذلك السلطان التركي المسلم، الذي أنفق من الجهد في إعلاء كلمة الأسلام في الهند ما أنفق، والذي كان نصيراً للسنة، وخصماً ألد للباطنية والمعتزلة، هذا السلطان لم يعجبه أن يشيد الفردوسي بمجد حازه الفرس أيام مجوسيتهم، كما لم يعجبه أن ينفخ في بوق العصبية الفارسية، وأن يدير كتابه على الحروب التي وقعت في القديم بين إيران وطوران، كما لم يعجبه تشيعه وجهره بآرائه الدالة على اعتزاله. كل ذلك قعد بالسلطان أن يجيز الشاعر بالجائزة التي كان يتوقعها، والتي كان يعلق عليها آمالاً كباراً. فيقال إنه بعث إليه بعشرين ألف درهم فقط مكافأة على مجهود خمس وثلاثين سنة

لكن الفردوسي لم يكن الرجل الذي يحتمل هذا التقصير في حقه. فقد جزى السلطان شر جزاء. فيقال إنه دخل حماماً فلما خرج منه شرب فقاعاً، ثم قسم عطية السلطان بين الحمامي والفقاعي. وبلغ ذلك السلطان فهاج غضبه، وهم بأن يبطش بالشاعر، فلاذ الفردوسي بالفرار من غزنة، وظل مختبأ بمدينة هراة ستة أشهر نظم فيها مائة بيت من الشعر هجا فيها السلطان هجاء لاذعاً موجعاً. فلما سكن عنه الطلب خرج إلى طرستان ونزل على صاحبها الأصبهبد بأن الأمر لم يعرض عليه كما ينبغي، واشترى منه هجو السلطان بأن الأمر لم يعرض عليه كما ينبغي، واشترى منه هجو السلطان بمائة ألف درهم، ثم محا ذلك الهجو من الشاهنامة محواً. بيد أن الفردوسي رأى أنه غير آمن على نفسه في طبرستان لأنها داخلة في حكم السلطان محمود، فخرج عنها إلى العراق العربي،

<<  <  ج:
ص:  >  >>