للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(٢)

هكذا تناجت منهما العيون، وقد طالت بينهما المناجاة لأن البنزين كان ما يبرح صعباً إيجاده، حتى في ضواحي (بونتاسياف)، وسيريني الذي بلغ من الشهرة حداً قصياً، واعتاد أن يعرفه الناس في كل مكان، طفق يحدث نفسه يقول: لا شك إنها عرفتني، لأن رسمي كثيراً ما ينشر في الصحف والمجلات، وهذه نظراتها التي لا ترفعها عني تدل بوضوح على إنها تعرف من أنا!. . وهي مهما كانت (بوفارية) لا يمكن أن تنظر بهذا الشكل إلى رجل عادي، يمر في طريقه بنافذتها!

ولا بد أن تكون قرأت لي، وقرأت لي كثيراً لأن ساعات الفراغ في الريف أطول منها في المدن، وإذن فللنساء وقت كاف فوق الكفاية، لأن يلتهمن الكتب مكاتب، مكاتب!! وما دامت فلورانسا على قيد خطوتين من (بونتاسياف) فمما لا ريب فيه إنها ذهبت إلى مسارح التمثيل وأبصرت بعض رواياتي تمثل فيها، وربما رأتني عندما يستدعيني المتفرجون إلى المسرح لأحييه ويحيني بين عاصفة من التصفيق والهتاف!. وفي هذه اللحظة ظهرت في النافذة امرأة مسنة، أحاطت بوجهها هالة من الشعر الأبيض. فنظر إليها (مارك سيريني) وأستأنف حديثه مع نفسه: من المؤكد إن هذه المرأة أمها فهي تشبهها كل الشبه، وهذه أبنتها تسر في أذنها وأني واثق إنها تقول لها: (أترين هذا الرجل هو مارك سيريني) الكاتب المسرحي الشهير!!. . أجل، لاشك إنها قالت لها ذلك أو شيئاً يماثله، لأن الأم أيضاً أخذت تنظر إلي ولا ترفع بصرها عني!! انظرا إلي!. . انظرا إلي!. . أيتها السيدتان العزيزتان ترى هل أروق في أنظاركما؟

انظرا إلي ولا تغضا الطرف عني حياء (وخجلا) فقد فرض على أصحاب الشهرة أن يمتع الناس أنظارهم بهم!!

اختفت الأم، ولكنها لم تلبث أن عادت، وفي يدها مجلة عرف من جلدها الأزرق إنها مجلة (ألالليستراسيون) وفتحت الأم المجلة على حافة النافذة وأشارت بيدها إلى صفحة فيها، تلفت أنظار أبنتها إليها، ثم عادت إلى التحديق في الشاعر: (لاشك إنهما تقابلان بين رسمي المنشور في المجلة وبين وجهي. . . أجل أيتها السيدتان أنا هو (مارك سيريني) لحماً ودماً. . أنا هو (مارك سيريني) الذي لم يك ليخطر له أن من الممكن أن تضطره

<<  <  ج:
ص:  >  >>