للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سمكة متعفنة. .)

فصاح بي: (يا أخي اسكت، أي حديث هذا على الطعام؟)

قلت: (سكت يا سيدي، ولكن لا أقل من أن تشاورني لأنصح لك)

قال: (كلا. . . ولا هذه. . . وهل أنا مسئول منك؟)

قلت: (إنك ضيفي وأنا مسئول عنك)

قال: (متنازل. . . اسكت بقى)

فلولا أن كرمي طبع لا تطبع، لسرني هذا القول، ولكني أبيت أن أقبل (تنازله) ودعوت الخادم وقلت لصاحبي:

(مره بما تشاء. . واطلب مه كل الألوان التي يقع عليها اختيارك دفعة واحدة، ليعدها لك، من الآن، ولا يعود يعتذر بأن هذا فرغ، وهذا لم يبق منه شيء)

فوافق، وكانت غايتي من هذا الاقتراح أن أعرف على وجه الدقة كم يكلفني إطعام ضيفي، وهل يبقى في جيبي بعد ذلك شيء آكل به، أم ينبغي أن أصوم إكراما له وإيثاراً، فوجدت أن جملة الثمن بلغت تسعة عشر قرشاً، فقلت في سري (أما والله إنه لشره نهم! أما كان يستطيع أن يكتفي بلونين؟ إنه لا يبقي لي بعد ذلك إلا ستة قروش تذهب منها اثنان تجزية للخادم، وقرش لابد منه لركوب الترام إلى البيت، فالباقي ثلاثة قروش، وما يدريني أنه لا يستمرئ نعمتي فيطلب قهوة أيضاً، إذن هما قرشان اثنان لا أملك لنفسي غيرهما. . . حسن. . فليكن كل طعامي تفاحة)

واستغرب صاحبي زهدي في صنوف الأطعمة، واكتفائي بتفاحة، فقلت له (يا أخي ألم أقل لك أني أكره أن آكل في معطم؟ ولقد نصحت لك فهل كنت تظنني عابثاً، أم حسبتني من جماعة (يا أيها الرجل المعلم غيره)؟ لا يا صاحبي. وقد تركتك لرأيك، فاتركني لرأيي!)

وكان يأكل وانا أدخن وأتكلم، ثم صفق فذعرت وسألته ماذا تريد؟)

قال (أليس عند هؤلاء القوم نبيذ جيد؟)

فقلت بسرعة (لا لا لا. . . إنه خل - إحذر)

قال (خل. . . عسل. . . لابد لي من النبيذ)

فضربت كفاً بكف، ولولا المكان غاص بالناس للطمت وجهي، فنظر إلي مستغرباً

<<  <  ج:
ص:  >  >>