للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يبطئ والدرس يثقل لأن رغبتي كانت تلح في الوقوف على جلية الخبر. فلما انتهت المحاضرة أسرعت في النزول إليه وفي عيني دهشة وعلى وجهي تعجب وبين شفتي كلام! وتبين الشيخ ذلك في هيئتي من بعيد، فصاح قبل أن أحدثه:

- تعال يا لطفي أقدمك إلى البرنسيس!!

وقدمني إلى الأميرتين نازلي وخديجة!

وكان ذلك أول معرفتي بالأميرتين المصريتين فدعتانا إلى الشاي في الفندق الفخم الذي تنزلانه.

وفي سنة ١٨٩٨ رغب الشيخ أن يقضي معي أياما بالبلد. فما علم بمقدمه رجال الإدارة والقضاء بالمنصورة حتى توافدوا إلى لقائه، وفيهم المرحوم حشمت باشا، وحفل المجلس بالناس على اختلافهم ودار الحديث. فقال الشيخ فيما قال أن السيد جمال الدين كان يقول: إذا أردت أن تحكم على أخلاق أمة فاجلس في قهوة من قهوات الفقراء، فما انطبع في نفسك من الانفعالات فاحكم به على هذه الأمة من غير تحرج، فأخذت أنقض هذا الحكم وأفنده والشيخ يدافع عنه ويؤيده فاستحييت أن ألح في معارضة الشيخ في المجلس فأمسكت.

وفي العصر ركبنا جوادين، وخرجنا نرتاض في المزارع والحقول فعدت إلى ذلك الموضوع فقال الشيخ لا أدري لماذا لا تصدق هذا؟ أليست قهوة الفقراء تجمع الفقير الذي سيبقى فقيراً، والفقير الذي سيصير غنياً، والغني الذي صار فقيراً؟

وفي سنة ١٩٠٥ أذكر إن الشيخ كان قادماً من الوجه القبلي وأظنه كان في السودان، فنزل عندي بالمنيا وكنت يومئذ نائبا بها، وحضر للسلام عليه رجال القضاء الأهلي والشرعي ووجوه البلد. فلما احتشد المجلس بالجمع قال أحد العلماء من رجال المحكمة الشرعية أن كثيراً من النصارى يدخلون في الإسلام فتضاعف بذلك شغلنا. فقال له الإمام: فيم تشتغل أيها الشيخ؟ فقال نعلمهم أركان الدين. فقال له: يكفي أن تقول له صل وصم وزك وحج فقال ولا بد أن نعلمه الوضوء. فقال قل له اغسل وجهك ويديك إلى مرفقيك وامسح رأسك واغسل رجليك، فقال ذلك لا يكفي ولا بد أن نعلمه حدود الوجه من أين يبتدئ وإلى أين ينتهي، فقال الشيخ بصوته الجهير في شيء من الحدة: سبحان الله يا سي الشيخ!! قل له

<<  <  ج:
ص:  >  >>