للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تعزله بالغلمان: السقاة منهم والجنود؛ ومن الرقيق هنا أنه كان يستخدم ألفاظاً للتورية كقوله في غلام يهودي:

من آل إسرائيل علقته ... عذبني بالصد والتيه

أنزلت السلوى على قلبه ... وأنزل المن على فيه

على أن غزله لم يقتصر على الذكر، بل كان يتغزل كذلك بالمؤنث وإن كان قليلاً. ومن أرقه قوله:

إلي كم أكتم البلوى ودمعي ... يبوح بمضمر السر الخفي

وكم أشكو للاهية غارمي ... فويل للشجي من الخلي

ممنعة لها طرف سقيم ... شديد الأخذ للقلب البري

وشاحاها على خصر عديم ... ومئزرها على ردف ملي

وقد صدرنا مقالنا بشيء من هذا الغزل الرقيق الذي شهر به شاعرنا حتى أصبح يقال في حقه: هو صاحب الغزل البديع، فهو جميل حين يصف لك الحب وإن كان وصفاً حسياً، وجميل حين يذكر أيام الوصل أو حين يعيد إلى نفسه ذكرى الأيام العذبة ويقول:

أترى لأيامي بوصلك عودة ... ولو أنها في بعض أحلام الكرى

زمن شربت زلال وصلك صافيا ... وجنيت ورد رضاك أخضر مثمرا

ملكتك فيه يدي فحين فتحتها ... لم ألق إلا حسرة وتفكرا

لننصت إليه حين يقول ارتجالا:

أماناً أيها القمر المطل ... فمن جفنيك أسياف تسل

يزيد جمال وجهك كل يوم ... ولي جسد يذوب ويضمحل

وما عرف السقام طريق جسمي ... ولكن دلُّ من أهوى يدل

إذا نشرت ذوائبه عليه ... ترى ماء يرف عليه ظل

أيا ملك القلوب فتكت فيها ... وفتكك في الرعية لا يحل

قليل الوصل ينفعها فان لم ... يصبها وابل منه فطل

أدر كأس المدام على الندامى ... فمن خديك لي راح ونقل

فنيراني بغيرك ليس تطفي ... وأحزاني بغيرك لا تبل

<<  <  ج:
ص:  >  >>