للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

كثيرا، فمن أراد الموسيقى والغناء فلا بد له من شعر موزون خفيف الروح إذا بدأت أول قطعة منه توقعت ما يليها، وإذا سمعت جرس القافية في أول بيت توقعت تمام المتعة بجرس ما بعدها. غير أنا لا نقصد أن يكون شعر الأغاني مرسلا فإنما للمرسل موضع غير الأغاني وهو كما ذكرنا ضرورة يلجأ إليها من أراد الإطالة في غرض من الأغراض.

وقد قال أدباء ممن يؤثرون الإبقاء على القافية في كل صنوف الشعر أن الشعر المرسل لا ضرورة إليه، فإذا شاء امرؤ أن يطيل وصفاً أو يؤلف قصة فما من شيء يمنعه من أن يفك نفسه من قيدي الوزن والقافية جميعاً ويجعل قوله نثراً صافيا. وليس في مقدرة أحد أن يقنع الناس برأيه في مسألة أدبية بأكثر من أن يعرض عليهم ما يستطيعون بناء حكمهم عليه، فان الحكم في مسائل الأدب مرجعه إلى الذوق وموقع الكلام من النفس. وليس من قصد أحد أن يتعصب لأسلوب خاص، فانه لا مأرب لأحد في ذلك إلا أن يكون لذلك الأسلوب في نظره ميزة على سواه. على أن مجال القول فسيح لمن شاء الانتصار للشعر المرسل، فانه فوق النثر في أنه موزون وللوزن حظ من الأثر الموسيقي الذي يمتاز به الشعر، كما أن الشعر المرسل يجعل الأديب ينحت قوله على نمط مقدر، فتخرج المعاني في ثوب مقدود على قدر ومقياس ينحيانه عن الفضول ويكسبان الأسلوب شيئا من الأناقة التي تنشأ عن اختيار الألفاظ الموافقة للوزن وتزويقها وتوثيق الاتصال بينها.

وبعد فالمثل أولى من تلك الحجج. ولهذا قد آثرنا أن نختار قطعة من تأليف ملك الشعر المرسل وهو شكسبير في روايته المشهورة (عطيل) وأنّا عارضوها على القراء مترجمة مرتين، مرة منهما من قلم الشاعر الكبير (خليل مطران) في نثر سهل حلو أدى المعنى أداءً دقيقا في أكثر المواضع ولكنه على كل حال لا يعاب عليه شيء في سلاسته ووضوحه. والترجمة الأخرى من قلم رجل آخر واتته المقدرة على أن يؤدي المعنى الإنجليزي في شعر مرسل. ورأينا ان نقرن بين الترجمتين حتى يمكن للقارئ أن يحكم بينهما ويحدث لنفسه رأياً في أفضلهما. والقطعة المختارة هي نبذة من الموقف الذي كان بين (ياجو) و (عطيل) يحاول فيه (ياجو) أن يظهر نفسه في مظهر الصديق الناصح ويدس في حديثه سم سوء الظن يبعثه إلى قلب (عطيل) ليجعله يحقد على زوجته الفاضلة راميا من وراء ذلك إلى غرض مادي شخصي ظن أنه لن يبلغه الا بالقذف في امرأة عطيل وتصويرها في

<<  <  ج:
ص:  >  >>