للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أكله؛ وماذا تعرف إذا لم تكن تعرف كيف تصبر على الشر يوم الشر، وكيف تصبر للخير يوم الخير، فتكون دائماً على الحالتين في خير؟

قال عصمت: آه لو كان معي العسكري!

قال جعلص: ويحك؛ لو ضربوا عنزاً لما قالت: آه لو كان معي العسكري!

قال عصمت: فمن أين لك هذه القوة؟

قال جعلص: من أني أعتملُ بيدي فأنا أشتد، وإذا جعتُ أكلت طعامي؛ أما أنت فتسترخي، فإذا جعت أكلك طعامك، ثم من أني ليس لي عسكري. . .!

قال عصمت: بل القوةٌ من أنك لستَ مثلنا في المدرسة؟ قال جعلص: نعم، فأنت يا ابن المدرسة كأنك طفلٌ من ورق وكراسات لا من لحم، وكأن عظامك من طباشيرّ أنت يا ابن المدرسة هو أنتَ الذي سيكون بعد عشرين سنة، ولا يعلم إلا الله كيف يكون؛ وأما أنا ابن الحياة، فأنا من الآن، وعلي أن أكون (أنا) من الآن!

أنتَ. . .

وهنا أدركهما العسكري المسخر لابن المدير، وكان كالمجنون يطير على وجهه في الطرق يبحث عن عصمت، لا حباً فيه ولكن خوفاً من أبيه. فما كاد يرى هذا العفر على أثوابه حتى رنت صفعته على وجه المسكين جعلص

فصعر هذا خده، ورشق عصمت بنظره، وانطلق يعدو عدو الظليم!

يا للعدالة! كانت الصفعةُ على وجه ابن الفقير، وكان الباكي منها ابن الغني. . .!

وأنتم أيها الفقراء، حسبكم البطولة؛ فليس غَنى بطل الحرب في المال والنعيم، ولكن بالجراح والمشقات في جسمه وتاريخه؟

طنطا

مصطفى صادق الرافعي

<<  <  ج:
ص:  >  >>