للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الدعوة الفاطمية السرية]

ضوء على موضوعها وغاياتها

للأستاذ محمد عبد الله عنان

تتمة

هذه خلاصة موجزة لتلك الدعوة الإلحادية الغربية التي اضطلع بها لحساب الحاكم بأمر الله ذلك الداعية المغامر حمزة بن علي، ومما يلفت النظر بنوع خاص أن حمزة بن علي لم يفته خلال شرح مذهبه أن يدافع عن شذوذ الحاكم بأمر الله وتصرفاته المتناقضة، وأن يحاول أن يفسرها بما يلائم دعوته ويدعمها، أجل، لقد كان في تصرفات هذا الذهن الهائم المضطرب ما يبعث على التأمل، وما يجب أن يحمل لا على الشذوذ والتخريف، ولكن على الحكمة والسمو إلى ما لا يرتفع الذهن العادي إلى فهمه وتعليل بواطنه، هكذا يقدم إلينا حمزة تصرفات مولاه الحاكم؛ فإذا كان الحاكم قد ترك الصلاة والنحر، وإذا كان قد أبطل صلاة العيد وصلاة الجمعة بالأزهر، واسقط الزكاة عن الناس، فمعناه تحليل ذلك للكافة، وإذا كان الحكام يتبع أحياناً سياسة الاضطهاد بالنسبة للنصارى واليهود، فذلك لأنه يريد أن يهلك المرتدين والمارقين، ومن بقي منهم يؤدون الجزية، وهم اليهود، ويجب عليهم وعلى النصارى المرتدين من التوحيد، وهم المنافقون أن يلبسوا أزياء خاصة، وأن يعلقوا في صدورهم وآذانهم أثقالاً خاصة من الرصاص؛ وإذا كان الحاكم يؤثر التقشف في مأكله وملبسه وركوبه، فيركب الحمير مجردة عن الديباج والحلي الذهبية، فذلك لحكمة باطنة يؤولها الداعي بآيات من القرآن، ويفسرها بدلائل رمزية غريبة، وإذا كان الحاكم يخرج من سرداب القصر إلى البستان، وإذا كان يرتاد بستان المقس وغيره من بساتين القاهرة ويطوف أحياناً في المدينة، فذا أيضاً لحكم باطنة لا تدركها الكافة؛ وما يرتكبه أهل الفساد بجوار البساتين التي يرتادها من المنكر والفحشاء، إنما يرتكب في طاعته، وما يرتكبه الحاكم من ضروب البطش والسفك إنه مظهر لسطوة الحاكم (الإلهية) فهو يفتك بأكابر الدولة دون خوف ولا حرج كما فعل مع حاجبه برجوان وزيره ابن عمار ومع غيرهما من الأكابر والزعماء؛ ثم هو يخرج بالليل دون ركب ودون سلاح، لا يخشى نقمة أو أعتداء،

<<  <  ج:
ص:  >  >>