للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ورأيت العروس قبل موتها بأيام

أفرأيت أنت الغنى عندما يدبر عن إنسان ليترك له الحسرة والذكرى الأليمة! أرأيت الحقائق الجميلة تذهب عن أهلها فلا تترك لهم إلا الأحلام بها؟ ما اتعب الإنسان حين تتحول الحياة عن جسمه إلى الإقامة في فكره!

وما هي الهموم والأمراض؟ هي القبر يستبطئ صاحبه أحياناً فينفض في بعض أيامه شيئاً من ترابه. . .!

رأيت العروس قبل موتها بأيام، فيالله من أسرار الموت ورهبتها! فرغ جسمها كما فرغت عندها الأشياء من معانيها! وتخلى هذا الجسم عن مكانه للروح، تظهر لأهلها وتقف بينهم وقفة الوداع!

وتحول الزمن إلى فكر المريضة؛ فلم تعد تعيش في نهار وليل، بل في فكرٍ مضيء أو فكر مظلم!

يا إلهي، ما هذا الجسم المهدم المقبل على الآخرة؛ أو تمثال بطل تعبيره، أم تمثال بدأ تعبيره؟

لقد وثقت أنه الموت، فكان فكرها الإلهي هو الذي يتكلم؛ وكان وجهها كوجه العابد؛ عليه طيف الصلاة ونورها. والروح الإنسانية متى عبرت لا تعبر إلا بالوجه

ولها ابتسامة غريبة الجمال، إذ هي ابتسامة آلامٍ أيقنت أنها موشكة أن تنتهي! ابتسامة روح لها مثل فرح السجين قد رأى سجانه واقفاً في يده الساعة، يرقب الدقيقة والثانية ليقول له: (انطلق!)

ودخلت أعودها فرأت كأنني آتٍ من الدنيا. . .! وتنسمت مني هواء الحياة، كأنني حديقة لا شخص!

ومن غير المريض المدنف، يعرف أن الدنيا كلمة ليس لها معنى أبداً إلا العافية؟ من غير المريض المشفى على الموت، يعيش بقلوب الناس الذين حوله لا بقلبه؟

تلك الحالة لا تنفع فيها الشمس ولا الهواء ولا الطبيعة الجميلة، ويقوم مقام جميعها للمريض أهله وأحباؤه!

وكان ذووها من رهبة القدر الداني كأنهم أسرى حربٍ اجلسوا تحت جدارٍ يريد أن ينقض!

<<  <  ج:
ص:  >  >>