للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ساعة في سكينة الله عليهم فما أفلحت، وجاءت الكنيسة فهولت على المصلين بالزخارف والصور والتماثيل والألوان لتوحي إلى نفوسهم ضربا من الشعور بسكينة الجمال وتقديس المعنى الديني، وهي بذلك تحتال في نقلهم من جوهم إلى جوها؛ فكانت كساقي الخمر؛ إن لم يعطك الخمر عجز عن إعطائك النشوة. ومن ذا الذي يستطيع أن يحمل معه كنيسة على جواد أو حمار؟

قالت أرمانوسة: نعم أن الكنيسة كالحديقة؛ هي حديقة في مكانها، وقلما توحي شيئا إلا في موضعها؛ فالكنيسة هي الجدران الأربعة، أما هؤلاء فمعبدهم بين جهات الأرض الأربع

قال الراهب شطا: ولكن هؤلاء المسلمين متى فتحت عليهم الدنيا وافتتنوا بها وانغمسوا فيها - فستكون هذه الصلاة بعينها ليس فيها صلاة يومئذ

قالت مارية: وهل تفتح عليهم الدنيا، وهل لهم قواد كثيرون كعمروا؟

قال: كيف لا تفتح الدنيا على قوم لا يحاربون الأمم بل يحاربون ما فيها من الظلم والكفر والرذيلة، وهم خارجون من الصحراء بطبيعة قوية كطبيعة الموج في المد المرتفع؛ ليس في داخلها إلا أنفس مندفعة إلى الخارج عنها؛ ثم يقاتلون بهذه الطبيعة أمما ليس في الداخل منها إلا النفوس المستعدة أن تهرب إلى الداخل. . .!

قالت مارية: والله لكأننا ثلاثتنا على دين عمروا. . .

وانفتل قيس من الصلاة، وأقبل يترحل، فلما حاذى مارية كان عندها كأنما سافر ورجع؛ وكانت ما تزال في أحلام قلبها؛ وكانت من الحلم في عالم أخذ يتلاشى إلا من عمروا وما يتصل بعمروا. وفي هذه الحياة أحوال (ثلاثة) يغيب فيها الكون بحقائقه؛ فيغيب عن السكران، والمخبول، والنائم؛ وفيها حالة رابعة يتلاشى فيها الكون إلا من حقيقة واحدة تتمثل في الإنسان

وقالت مارية للراهب شطا: سله: ما أربهم من هذه الحرب، وهل في سياستهم أن يكون القائد الذي يفتح بلدا حاكما على هذا البلد؟

قال قيس: حسبك أن تعلمي أن الرجل المسلم ليس إلا رجلا عاملا في تحقيق كلمة الله، أما حظ نفسه فهو في غير هذه الدنيا

وترجم الراهب كلامه هكذا: أما الفاتح فهو في الأكثر الحاكم المقيم، وأما الحرب فهي عندنا

<<  <  ج:
ص:  >  >>